طفلة في العشرين من عمرها
جلست يارا علي كرسي وثير في منتصف الحفل داخل منزلها ..
" حفل عيد
ميلادها العشرين " ..
كانت مرتدية ثوب بسيط ، أبيض ، أنيق و لفت حول كتفيها
شال فيروزي اللون أبرز تألق عينيها الزرقاوتين اللتان تعكسان شقاوة خفية و
كأنها طفلة في الخامسة من عمرها .
ارتسمت ابتسامة عريضة علي شفتيها حينما
رأت صديقتها المقربة ريم مقبلة عليها و هي تبادرها قائلة بابتسامة جميلة
انعكست فيها الشقاوة المطلة من عيني صاحبتها :
- كل عشرين سنة و انت طيبة
ضحكت و قالت :
- كل عشرين سنة و احنا أحلي أصحاب
احتضنتها
طويلا فقد مر ما يقرب علي شهرين منذ آخر مرة التقيتا فيها ، ثم أعطتها
هديتها و جلست بجانبها .
ساد الصمت بينهما قليلاً و سرحت يارا بأفكارها في
أيام الطفولة البريئة .... لا تصدق أن كل هذا العمر مر ، شعرت بأنها لا
تزال طفلة صغيرة تجري و تلعب و تطارد الفراشات ...
و كأنها لا زالت ...!!
لا هي
في الواقع لا زالت تمضي الساعات في تلوين رسومات الأطفال!
كتمت ضحكتها
بسعلة بسيطة ، فنظرت إليها ريم و قالت :
- عارفة افتكرت إيه دلوقتي ؟
- إيه ؟
سكتت لحظة ثم أغرقت في الضحك و هي تقول :
- لما باباكي كان جايب قفص بصل و حاطه في البلكونة و قعدنا ننشّن علي الناس من فوق
أكملت يارا من بين ضحكاتها :
- أيوه و الراجل اللي طلعله بقليلة في راسه و فضل واقف ساعتين عشان يعرف البصلة اترمت منين
استغرقتا
في الضحك و كادت يارا تخبرها أنها كانت لتوها تتذكر نفس الموقف و لكن
تراجعت ، فذلك ما يحدث معهما عادة ، كثيرا ما تفكران في نفس الشئ ، في نفس
اللحظة ، حتي صار شيئاً مألوفا لهما و كأن ما يربطهما أقوي من الصداقة و
أشد و أعمق .
نظرت إليها و هي لا تجد كلمة تعبر عن مقدار ما تكنه لها من حب
و مودة و قبل أن تقول شيئاً وجدت ذراعان تلتفان حولها و قبلة تُطبع علي
خدها ، التفتت وراءها فوجدته زوجها الذي قال بابتسامة حلوة واسعة :
- كل عشرين سنة و انت طيبة
- كل عشرين سنة و انت حبيبي
فقالت ريم بطريقتها المرحة التلقائية و هي تغمز بعينها :
- عرسان ياخواتي !
ضحكا من طريقتها و قال مقلداً إياها و هو يغمز بعينه :
- طبعا عرسان ، و احنا لحقنا ! دا ماعداش سنة علي جوازنا
استغرقوا
في الضحك ثم انصرف الزوج حين ناداه أحد المدعويين، و ذهبت يارا بخيالها
إلي يوم التقته و كيف أُعجبت به و بشخصيته و طريقته و بمرور الوقت وقعت في
حبه تماماً...
عشق هو طفولة روحها و خفة دمها و طيبتها و كأن يوم طلبها
للزواج كان البارحة ، لازالت تذكر ما كانت و كان يرتدي ، و أين كانا يقفان و
ماذا قال بالتحديد ...
تذكرت كيف ذابت الكلمات علي شفتيها و اشتعلت
وجنتيها احمراراً و لم تجبه سوي بإيماءة خفيفة من رأسها و هي تنظر إلي
الأرض في حياء . و بعد أن انصرف ، هرعت إلي ريم و هي تكاد تجن من السعادة و
أخذتا ترقصان لساعات طوال و تتحدثان حتي الصباح و هي تري فرحة قلبها في عيني صاحبتها ، فما كانت تشعر بإحساس إلا و تجد له صدي لدي ريم و كأن لهما قلباً واحد و شعوراً واحد ....
قطع أفكارها صوت شاب بهي الطلعة يقول لها باسما :
- يالا عشان نطفي الشمع يا تيتة
رفعت أحد حاجبيها في استنكار و قالت :
- تيتة في عينك ! دول عشرين سنة بس
فاستغرق
الجميع في الضحك من النظرة التي ارتسمت علي وجهها و طريقتها ، و ابتسمت هي
ابتسامة واسعة ...
فمنذ أكملت العشرين ، قررت ألا تكبر عن ذلك لأنها لا و
لم تشعر يوما بأنها أكبر من ذلك أبداً ...
و هاهي أكملت الستين و لا تزال
تحتفل بالعشرين من عمرها .
الكاتبه || هـنـد حنفى ||
اترك خلفك كل شئ .. و اسمح لخيالك أن يتنفس .. اغلق عينيك .. تجاهل صخب الحياة .. احلم و ابدع و ابتكر .. و عش "هندي" .. من عالم آخر .. أنا هندية .. هند حنفي