عيد مولدها








 صوت موسيقي كلاسيكية تنبعث من منبه قريب من سريرها ...
تفتح عينيها ببطء و بتكاسل تغلقه ... 
تنظر بجانبها فتكتشف أن زوجها نزل في الصباح الباكر دون أن يوقظها ..
تتناول تليفونها المحمول .. تطلب رقمه .. ثم يأتيها صوته الهادئ بتحيته الصباحية المعتادة ..
"صباح النور يا أميرتي .."
ابتسامة علي شفتيها برغم اعتيادها علي سماعها منه .. و بعتاب لطيف ..
" لماذا لم توقظني معك يا حبيبي ..؟ كيف تنزل هكذا دون فطور"
بضحكة رائقة يرد ..
" لا تقلقي يا أمي الصغيرة .. فطرت .. و لم اشأ أن أوقظك لأنك كنت متعبة البارحة .."
تبتسم لحنو كلماته ثم تسأل ..
"ستتأخر اليوم" 
صمت قصير ثم قال ..
" نعم ... غالبا"
تقفل معه ثم تقوم من سريرها بلذة الكسل الصباحي بعد ليلة نوم هنيئة .. 
تلقي نظرة علي الجريدة الملقاة علي الطاولة المجاورة لها .. 
تاريخ اليوم ...
ياه .. غدا عيد مولدي ..
أحقا سأكمل عامي الأربعين ..
تخطو نحو المرآة بتردد ..
تتأمل بشرتها البيضاء الصافية .. و التجاعيد الصغيرة التي تزحف تحت عينيها علي استحياء ..
الحمد لله ..
لازالت جميلة برغم مضي العمر .. 
تنظر إلي الساعة المعلقة علي الحائط ..
لابد أن تسارع بالنزول .. أمامها قائمة طويلة من الأشياء التي عليها أن تحضرها قبل حفلة عيد ميلادها .. عليها أن تختار أيضا هديتها بنفسها و تتركها لزوجها في مكانها المعتاد ليقدمها لها .. 
ضحكت في سعادة لا مبالية .. لم تتخيل أن تصل يوما إلي المرحلة التي تتعامل بها بطبيعية شديدة مع الأمر هكذا ..
تذكرت في بداية زواجهما و أول عيد ميلاد لها ..
ظلت جالسه علي هذا الكرسي بالذات ساعات طويلة تنتظره حتي منتصف الليل لعله يتذكر عيد مولدها ..
لكنه لم يتذكر أبدا ..
نسي .. و بكت كثيرا في حزن ..
و حين عاتبته ..
اكتئب أياما طويلة لأنه نسي .. لأنه أحزنها ليلة عيد ميلادها ..
لكن كان الأمر حقا خارج عن إرادته ..
فبرغم كل صفاته الحلوة ... و طيبته التي لم تر لها مثيلا ..
إلا أنه كان يعاني من آفة النسيان ..
كأن الله خلقه بذاكرة صغيرة ضيقة لا تحتمل اكثر من أحداث يوم واحد ..
و بمرور السنين بدأت تعتاد ذلك منه ...
و تكفل حبه القوي لها .. و ارتباطه الشديد بها ..
 اعتماده عليها في كل شئ .. في كل تفصيلة صغيرة من حياته .. 
و مفاجآته الصغيرة من وقت لآخر..
 أن يعوضوا عن نسيانه كثيرا لتواريخ ايام مميزة في حياتهما ..
لكن بقت مشكلة واحدة ..
أنه في كل سنة كان يبذل قصاري جهده ليتذكر عيد مولدها .. و كثيرا ما يخفق .. فيمضي ايام كثيرة مكتئب حزين ..
فصارت هي مرة بعد اخري تذكره و تحضر الهدية بنفسها و تضعها له .. و تقيم الحفلة .. و تتظاهر أنه لم ينسي ..
كأنه طفلها الصغير الذي تخاف عليه من حزنه .. 
انتزعت نفسها من ذكرياتها بابتسامة كللت شفتيها ..
و هي تهمس لانعكاس صورتها في سعادة ..
"كل سنة و أنا طيبة .. كل سنة و انت حبيبي ... "
 تحركت من أمام المرآة و بدأت تستعد للنزول ..
ظلت في الخارج حتي قرابة السادسة مساء .. 
كلمته علي تليفونه .. لم يرد 
فخمنت انه لازال في العمل .. 
"ربما مشغول .."
هكذا قالت لنفسها ..
صعدت إلي الشقة .. 
فتحت بمفتاحها و دخلت ..
وجدته جالس في الصالة علي كرسي في مواجهتها ..
بعينيه الزرقاوتين العميقتين .. و هدوءه .. و ابتسامته الطيبة الجميلة ..
 أقبلت عليه متهللة لرؤيته ...
فأخرج من وراء كرسيه لوحة كبيرة و أعطاها لها دون كلمة واحدة ...
تعجبت من فعله و تناولتها متسائلة بابتسامة ..
فأشار لها بيده أن تتأملها جيدا ..
خفضت بصرها إليها .. و ارتفع حاجبيها في تأثر بالغ ..
كانت لوحة بيضاء كبيرة ألصقت عليها ورقات النتيحة يوما وراء الآخر من أول السنة حتي تاريخ عيد مولدها غدا ..
و أسفل كل ورقة عد تنازلي كم بقي علي اليوم الموعود ..
نظرت له غير مصدقة ..
احتوي دهشتها بنظرة عينيه العميقتين ..
تناول يدها بين كفيه ...
و ببراءة كل الحب في نفسه قال في صوت خفيض ...
"أحصيت الايام من أول يوم في السنة حتي لا أنسي يا حبيبتي ..."
اغرورقت عيناها بدموع التأثر .. 
فاحتضنها بقوة وو همس في أذنها برنة فخر طفولية ..
" لم أنس هذه المرة يا حبيبتي .. لم أنسي عيد مولدك" 

 
 




الكاتبه || هـنـد حنفى ||

اترك خلفك كل شئ .. و اسمح لخيالك أن يتنفس .. اغلق عينيك .. تجاهل صخب الحياة .. احلم و ابدع و ابتكر .. و عش "هندي" .. من عالم آخر .. أنا هندية .. هند حنفي