ثورة حقيقية








إننا بالفعل في حاجة إلي ثورة حقيقية ..

لكنها ليست مجرد ثورة ميادين و هتافات و حناجر تشق السماء ...

إننا بحاجة إلي ثورة تقضي علي الطواغيت التي تعيش فينا و تخلق داخل كل منا ..

ثورة على التعصب و التحكم و التمسك بالرأي ..
ثورة علي الجدال الذي لا طائل من وراءه سوي اثبات أنك علي صواب ..
ثورة علي الديكتاتور الصغير الذي نمارس أفعاله المتكبرة بكل صلف و غرور في مواجهة بعضنا البعض ..

بحاجة حقيقية .. للثورة علي العقول المغسولة التي تخلق طاغية جاهل داخل كل منا .. يظن أنه أعلم العالمين و المفتي الأعظم في كل شئ .. بدءا من مكان الشارع الذي تبحث عنه حتي أدق العلوم و الفنون و القانون و الدين ..

بحاجة للقضاء علي المعلم الديكتاتور الذي يكتفي بأن يجعل الطلبة يحفظون و يحفظون و ينجحون ثم يتخرجون حميرا لا يتذكرون اي شئ مما حفظوه غصبا و اقتدارا ..

بحاجة للثورة علي دكتور الجامعة الطاغية الذي يعاقب الطلبة بامتحان تعجيزي .. و ينتقد سلوكهم و سخافتهم .. و يكره الوقت الذي يقضيه معهم .. ثم يتأفف من قلة حضورهم .. و هو لا يحرك ساكنا من مكانه و يكتفي بقراءة كتابه و اجبار الطلبة علي شراءه ...

بحاجة للثورة علي الطاغية الكامن داخل كل من يتقلد وظيفة عامة .. شرطة .. نيابة .. أو حتي موظف ضرائب .. و شعوره أنه فوق الأشخاص العاديين ..

بحاجة للثورة علي الرجل الظالم الذي يضرب اولاده ..
علي السيدة الطاغية التي تجبر أولادها علي انتهاج سبل حياة ترضيها و لا ترضيهم ..
علي رجل الدين الذي لا ينصح الناس بالحسني .. و لا يكلمهم إلا عن عذاب القبر ..

بحاجة للثورة علي منظومة الزواج التي تسخر الافراد للدوران في فلكها .. و تعتبر الحب كبيرة من الكبائر ..

نحن بحاجة لثورة حقيقية علي أنفسنا .. علي تحكمنا .. علي محاسبتنا للآخرين ..
نحن في مجملنا نشكل المسمي "كلام الناس" الذي يخشاه الآخرون دائما ..
كل واحد منا .. بحاجة لأن يثور أولا علي نفسه و مسلماته .. ثم بعد ذلك ليتحدث عن الثورة ..

البحث عن ميت "فانتازيا"







مستلقي علي ظهره ... عيناه مغمضتان ..
نسيم عليل يداعب وجهه .. و روائح مسك تُعطره ..
ابتسامة نائمة علي شفتيه ..
يتحرك حركة بسيطة .. يبدأ في الاستيقاظ ..
يفتح عينيه ببطء .. لا يدري أين هو .. مكان واسع فسيح جميل ..
يمتد إلي ما لا نهاية و مع ذلك يوحي في نفسه بإحساس سكينة و طمأنينة ..
يتلفت حوله .. عساه يجد انسان ..
وجد ملاكا جميلا .. ملاكا حقيقيا .. تماما كما الأحلام ..
بجناحين عظيمين .. و طاقة نور فوق رأسه الأبيض الجميل ..
فغر فاهه من الدهشة .. و كان أول ما نطق به ..
" أنا فين ؟؟"
"أنت ميت"
ارتد للوراء بفزع .. ميت !!
لا يمكن ..
حدّق فيه بامعان ..
ركّز قليلا .. عله يستعيد آخر ما مر به قبل هذه النومة الطويلة .. هل هو حلم ..!
فجأة ضرب جبهته بيده في قوة ..
يا إلهي .. الثورة .. موقعة الجمل .. مبارك ..
"يا نهار اسود .. أنا مت "
أجاب الملاك بإيماءة من رأسه ..
"طب حصل إيه في الثورة؟؟ نجحنا و لا لاء ؟؟ اصحابي عايشين و لا ميتين زيي ؟؟ طب مبارك مشي؟؟"
لم يرد عليه الملاك ..
"طب أعرف بس .. هي الثورة نجحت؟"
لم يرد الملاك ..
ظل يدور في الفراغ الهائل حوله و القلق يتآكله..
ثم لمح من بعيد جسد آخر مستلقي ..
أسرع بالجري نحوه ..
تمالك أعصابه بصعوبة و هو يوقظه برفق ..
فتح الثاني عينيه ببطء و بنفس الابتسامة الناعسة ..
و ظل معه حتي أفاق و أخبره أنه هو الآخر ميت .. و أخذ يحايله حتي استوعب الصدمة ثم قبل ان يسأله .. قال الثاني ..
"يا نهار اسود .. مجلس الوزراء .. هو ايه اللي حصل .. المجلس العسكري لسه بيحكم ؟؟ "
تراجع الأول للوراء قائلا .. "مجلس عسكري إيه ؟؟ هو مبارك مشي"
رد الثاني "أيوه طبعا مشي"
قفز الأول في الهواء مهللا .. "هييييه .. يا سلام .. عملناها .. عملناها .. مبارك مشي .. الحمد لله موتي مراحش هدر .. هيييه .. مفيش ظلم تاني .. اخيرا استعدنا بلدنا ..ياه يا رب .. الحمد لله"
حدق فيه الثاني كأنه مجنون أو عبيط ..
فتوقف عن التهليل قليلا .. ثم تساءل ..
"امال مجلس عسكري إيه .. هو انت مت ازاي"
حكي له كل الأحداث التي فاتته ..
فأخذ يتقافز في جنون .. "مش معقول .. مش معقول ..
اكيد الشعب مش هيسكت علي الدم و هتك الأعراض دا .."
"آخر حاجة قبل ماوصل هنا .. أننا كنا نازلين ضد بقاء المجلس العسكري و عايزين السلطة تنتقل لرئيس مدني منتخب .."
ران الصمت عليهما .. و جلس الاثنان علي الأرض البيضاء التي تمتد إلي ما لا نهاية ..
قال الثاني بعد فترة .. "أنا لازم أعرف إيه اللي حصل"
رد الأول قائما من مكانه .. "طب قوم بينا ندور علي حد ميت .. لو ملقناش يبقي الثورة نجحت .. و لو لقينا هنعرف إيه اللي حصل "
قام كلاهما و ظلا يمشيان بلا نهاية ..
حتي وجدا ثالث .. مستلقي علي ظهره و علي شفتيه ابتسامة نائمة ..
ظلا معه حتي أفاق و استوعب صدمة أنه ميت .. ثم تذكر كيف مات .. و صرخ فجأة ..
" يا خبر .. الاعلان الدستوري .. الاتحادية .. الاخوان هاجمونا .. ناس كتير اتضربت .. إيه دا .. أنا مُت !!"
تململ الأول في ملل واضح .. فهذه ثاني مرة .. يحاول فيها اقناع من يقابله أنه ميت ..
قال له الثاني بسرعة .. "الاخوان !!!!!" "هو المجلس العسكري مشي"
رد الثالث .. "مشي من زمان و عملنا انتخابات .. و الاعادة كانت بين مرسي بتاع الاخوان .. و شفيق الفلول .. و عصرنا لمون و انتخبنا مرسي .. قام مرسي أصدر اعلان دستور ديكتاتوري .. رحنا اتظاهرنا عند الاتحادية .. و بعدين جماعته و عشيرته هاجمونا .. و بعدين .. بعدين .. أنا مُت "
قال الأول في فزع .. "هو إيه اللي بيحصل دا كله ... أنا كنت فاكر لما نشيل مبارك .. الحياة هتبقي حلوة .. و الحقوق هترجع لأصحابها .. و هنبني بلدنا .."
رد الثاني مكملا في وجل .. "و أنا كنت فاكر إن هييجي رئيس مدني منتخب من الثورة .. يقود النهضة في البلد و ينهي الحكم العسكري .."
انفعل الثالث قائلا .. "لاء .. لاء .. نهضة تاني لاء .. "
نظر له الاثنان باستغراب و لم يفهما و لم يعلقا ...
ران الصمت علي ثلاثتهم تماما ...
ثم قال الثاني ... "و الآن .. ماذا سنفعل ؟"
قال الثالث .. "يبدو أنه لا أمل"
قال الأول .. "يجب أن نكمل بحث .. إذا وجدنا ميت هنعرف إيه اللي حصل . و إذا لم نجد .. يبقي الثورة نجحت"
قاموا من مكانهم .. و لفترة طويلة طويلة ظلوا يمشون .. حتي وجدوا شخص رابع مستلقي ..
أخذ الاول يقلب أصابعه في ملل بينما الاثنان الآخران يوقظانه و يفهمانه أنه ميت .. ثم صرخ فجأة في غضب ..
"لاء .. لاء .. انا مكنتش عايز اموت قبل 30 -6 "
حدق فيه الثلاثة بدهشة ..
"هو انت مت ازاي أصلا"
 " مرسي عيّن محافظين من المتأسلمين و الاخوان .. نزلنا نتظاهر ضدهم و الدنيا ولعّت و بعدين .. بعدين .. لقيت نفسي هنا"
 سأل الأول باهتمام .. " و إيه اللي هيحصل يوم 30-6 ؟ "
" مرسي خربها علي الآخر و خلا حجم مصر قد السمسمة قصاد العالم .. و كل حاجة ماشية من سئ لأسوأ في البلد .. قمنا عملنا حركة تمرد عشان نسحب الثقة منه و نعمل انتخابات رئاسية مبكرة .. و جمعنا موافقة 15 مليون مصري ..  قام استقوي بأهله و عشيرته علينا .. و هننزل يوم 30-6 نطالب برحيله و انتخابات رئاسية مبكرة ..."
ثم سكت قليلا .. و قال في حزن .. "قصدي  هينزلوا"
همس الأول .. "يعني ثورة من أول و جديد"
رد الثاني .. "تفتكر هتنجح؟"
رد عليه نفس الرد الذي قاله من قبل .. "أدينا هندور .. إن لقينا ميت هيقولنا .. و إن ملقيناش يبقي الثورة نجحت" .


قصة شعر








عينان محمرتان من قلة النوم و شعر "منكوش" انعكس في مرآة الحمام ..
تنهيدة عميقة ثم بيد كسولة مرت علي شعرها في محاولة بائسة لتسويته ...
5 ساعات هو كل ما طالته من النوم .. و عليها أن تسرع لتوقظ زوجها ليذهب إلي عمله ..
شدت قامتها كعسكري جيش .. بدأت استعداداتها اليومية ..
حمام سريع .. بدت بعده أحسن حالا بكثير بعدما عقصت شعرها المبلول للأعلي بطريقة جذابة و بدا وجهها اقل إرهاقا ...
عادت إلي الحجرة بخفة و أيقظته بهزة خفيفة من يدها .. قبلة معتادة علي خده ..
رفض كسول من جانبه .. ينتهي باستسلامه و فتحها للستائر ..
نفس التحية الصباحية .. و الطقوس المعتادة حول المائدة الصغيرة المعدة للافطار .. و تركيزه القليل ما بينها و بين قهوته و جريدته ..
هنيهة و اتخذ طريقه للخارج ..
ظلت جالسة مكانها .. و لم تقم لحمل الأطباق للمطبخ كالمعتاد ..
ملت و كلت من "المعتاد" ..
ما الذي أصابهما .. ما سبب الملل و الفتور الذي طغي فجأة علي كل شئ..
فكرت قليلا .. ربما هي السبب .. ربما يجدر بها أن تبتكر قليلا في الحياة ..
اغتمت قليلا .. ثم بعد تفكير عادت اشراقة الابتسامة إليها ..
قامت من مكانها و دخلت حجرة النوم و فردت شعرها أمام المرآة ..
سأقصه ..
سأقصه .. لقد اتخذت القرار ..
سأغير شكلي ربما يجذب ذلك انتباهه و يعيد إلينا بعض الحيوية المفقودة ..
ارتدت ملابسها و قبل أن تنزل ابتسمت قائلة ..
الوداع يا شعري الطويل ..
وصلت الكوافير بعد حوالي نصف الساعة ..
كان مزدحما علي آخره ..
ابتسامة معتذرة من البنت الواقفة تغسل رأس احداهن ..
فأشارت .. أن لا بأس سأنتظر ..
أحضروا لها بعض المياه الساخنة التي دست فيها يديها و قدميها ..
الوقت يمر ببطء قاتل و رائحة السشوار الساخن في المكان خانقة ..
ظلت تتسلي بمراقبة البنات .. و سماع أحاديثهن ..
و هي تفكر في زوجها العزيز .. مبتسمة في خاطرها ..
"كله لاجل خاطرك يا جميل .."
و أخييييرا .. جاء دورها بعد انتظار يقارب الساعتين ..
جلست تحت يد الكوافيرة و رأت شعرها الاسود الجميل يتساقط علي الجانبين ثم أخيرا رفعت رأسها للمرآة ..
جميلة ..
ابتسمت .. الحمد لله
مررت يدها بين خصلاته .. قصة شعر جميلة .. لا شك سيحبها ..
شعرت بالسعادة و هي تتخيل رأيه و اعجابه بشكلها ...
تحملت سخونة السشوار برغم حساسية جلدها الرقيق ..
نظرت في ساعتها .. تأخرت كثيرا .. لابد و أن تعود للبيت ..
انتهت من تصفيف شعرها و تناولت حقيبتها و انطلقت ..
عادت إلي المنزل باحساس جميل بأنوثتها و جمالها ..
ابتسامة حلوة لم تفارق ملامحها .. حتي سمعت تكة المفتاح في الباب ..
مسحت الابتسامة سريعا  في انتظار لردة فعله ..
ألقي عليها التحية و هو في طريقه إلي حجرة النوم ..
ذهبت وراءه .. و وقفت علي باب الحجرة  ..
نظر إليها متعبا و هو يتناول البيجامة من علي السرير .. و يتكلم في موضوع ما ..
معقولة لم يلحظ قصة شعرها الجديدة !
شعرت أنها تكاد تلوح له بخصلاته .. يكمل كلام في غير انتباه ..
ثم يتوقف لحظة و ينظر إليها ..
يشرق قلبها .. أخيرا
"شكلك متغير"
احباط خفيف يسري بباطنها ..
" مم آه .. قصيت شعري "
"كويس .. التغيير حلو"
فعلا!! لم تنطق بحرف .. لكن كل ما فيها عبّر عن كلمة واحدة .. فعلا !
لم يلحظ ردة فعلها و اتجه للحمام .. بينما ظلت هي واقفة مكانها ..
شعرت علي نحو عجيب أن تود لو عادت للكوافير لتلملم بقايا شعرها المقصوص ..
و تضمه إليها .. و تبكي
علي قصة شعرها ...

حماتك !








كيف استطاعوا أن يحشوا عقولنا بتلك الافكار المقيتة عن الأم الأخري التي أسموها "الحماة" ..

كيف تحبين رجلا .. دون أن تعشقي الرحم الذي احتضن روحك ..
و اليد التي عطفت عليه و أطعمته ..

كيف لا تُقبّلين أقدام الأم التي عانت لأجل أن تهبك الحياة بمجيئه ..
كيف باستطاعتك أن تقدمي لها عرفانا كافيا لاعتنائها به ليال طويلة ..
كيف تقولين عنه أنه قطعة من قلبك .. ثم تبتعدين عن تلك التي كان قطعة من لحمها و دمها ..

كيف تذوبين للمسة يده .. و ما حنوه إلا بعضا منها .. من ضمة صدرها له .. من حنانها الذي كفاه و شمله حتي شب و أصبح قادرا علي العطاء لكي ..
كيف لا تشاطرينها كل اللحظات و هو ابنك بقدر ما هو ابنها ..
كيف تحبينه حتي النخاع .. و تتزلزل الأرض تحت أقدامك من ألم يلم به .. ثم لا تشعرين بتلك التي انقبض قلبها مع كل تقطيبة جبين منه أو آهة ألم ..

كيف تعشقين ضحكته .. و تبذلين نفسك لاسعاده .. و لا تقدسين تلك التي كانت أول من رأي ضحكته .. و أول من احتفل بسّنته الأولي..
كيف تهمسين له .. أنك تعشقين وقع خطواته علي الأرض .. و كانت هي أول من صاحبته في أولي الخطوات ..
بأي عقل و أي قلب لا تستطيعين أن تحبي "أم حبيبك" ..

عزيزتي .. لا تستمعي لهم إذا ما أخبروكِ أن تبتعدي عنها و تُبقي علي مسافات بينكما ..
لا تصغي لمن تقول لكِ .. "حماتك هتعمل و هتعمل" ..
قولي لهم أنها أمك الأخري ..
و أحبيها بصدق .. أقبلي عليها كأنها أمك .. لا تجعلي الأمر واجبا ثقيلا علي نفسك لأنها بالتأكيد ستشعر بذلك ..
يكاد يكون من المستحيل .. أن تحبيها فعلا من كل قلبك .. و ألا تبادلك علي الاقل .. مودة بسيطة
و أرجوكِ ..
لا تنسي أبدا .. أنك أنتِ من سيأخذ منها حبيبها .. فرفقا بقلبها