كيف يمكن اثبات وجود الله !






كيف يمكن إنكار وجود الله !

صمت طويل من قلمي .. إنه حقا سؤال تعجيزي

تعجيزي في إجابته و تعجيزي في نفيه ..

تعجيزي أن يكون هناك حقا من ينكر وجود إله في هذا العالم المتوازن الدقيق الذي ينتظم في كل لحظة بدقة متناهية و سلاسة مبهرة ...

تعجيزي أن يعتقد عاقل أن هذا الكون الواسع الهائل بكل مخلوقاته المتكاملة من أصغر جرثومة لا تُري إلي أضخم حيوان... وُجد هكذا .. فجأة .. دون أن يتسائل عن سر الوجود أو مصير الفناء ..

دون أن يتسائل عن كيفية سيره و انتظامه .. !

سؤال تعجيزي حتي في نفيه .. كيف يمكن أن أثبت وجود الله ..

كيف يمكن إثبات "الوجود" ... فالله هو الوجود و كل ما سواه عدم ..

كيف يمكنني أن أمسك الضوء لأعطيه لأعمي ..

كيف يمكن أن أصف الألوان .. أو أجسد الروائح ...

كيف يمكن وصف الوضوح .. كيف يمكن أن تصف الحياة !!

كيف يمكن أن يعيش انسان موقن أنه لا إله في الكون ..

إنه تصور مخيف و مفزع إلي أقصي درجة ..

إنه الشر المطلق دون إمكانية وجود خير ..

إنه الظلم دون أمل في عدل ..   

إنه القهر دون القدرة علي الاستعانة ..

كيف يستطيع الانسان أن يعيش دون أن يكون في مقدوره حين تضيق به الأرض و تضيق عليه نفسه أن يصرخ

ياااااااااااااااااااااااااارب

كان يمكن أن يخلقنا الله دون أن نعلم عن وجوده شيئا ...

و لكنها حقا رحمته ..

خير دليل و خير شاهد ..

علي الوجود الأعظم ..

علي منبع خلق الانسان ..

و كل ما يصاحبه من صفات نصفها بالإنسانية ..

بينما هي في الأصل ..

صفات ربانية ..

لا يمكن اثبات وجود الله ..

لأنه فوق كل اثبات ..

لأنه لا يحتاج إلي اثبات ..

إنما يحتاج إلي نور يهدي القلب إليه ..

و ذلك لا يكون إلا منه .. وحده ..

" نُّورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ "

(35) النور

الحمد لله علي نعمة وجود الله ..

الحمد الله أننا نعرف أنه لا إله إلا الله ..

ساذجة




كم كنت ساذجة إذ فكرت أنني اخترتك ... أنني بإرادتي أحببتك ...
كم كنت ساذجة إذ اعتقدت أن الحب قرار أو اختيار ..
إن الحب هو الذي يختارنا و لا نختاره ..
إنك الحب الذي ظل يطاردني دون أن أعرف .. فأهرب منه جريا خوفا من المجهول .. حتي تقطعت أنفاسي من لهاث الهرب .. فانهارت قدماي لتلتقطني .. أنت .. بين ذراعيك ..
كم تملصت منك فزعة ...
كم كنت كاذبة في تملصي و قد استعذبت دفء حضنك ..
حملتني إليك ... و قبضت علي بقوة و أمان .. تكون مجنونة الأنثي التي تتركهما ..
صرت لي مأوي و ملاذ ... نسجت لي عشا صغيرا بجانب قلبك ثم أطلقتني ..
تعثرت فأقبلت علي كأنما أنا طفلتك .. و برقة أصابعك فردت جناحي المضمومين و علمتني الطيران ..
أطلقتني .. أطلقت كل جنون و براءة الطفلة ..
كل شغف و وهج الأنثي ..
كل حنان و دفء الأم ..
و كنت كل ليلة أعود لأبيت ليلتي في عشك ..
الذي أصبح عشي ..
أحببتك ..
أحقا أحببتك ..
أكان ذلك حبا .. أم حياة ..
صرت حياتي ..
بكل ما فيها ..
صرت نفسي ...
فلا أعرف لي نفسا و لا تعريفا إلا بك ...
و اليوم حين أتذكر ..
لم أختر أن أحبك ..
أنت قدري ... قدر لا مهرب منه إلا لأقع فيه مجددا ..
اليوم امتلكت نفسي التي لا تتوق إلا لتكمل نقصها فيك ..
اليوم مهما أبعدتني أو بيدك نفضتني عن عشك ..
عدت إليك أمسح جناحي الصغيرين في ذراعك مستسمحة العودة إليك ..
اليوم مهما آلمتني .. أخبئ آلامي في طيات نفسي خوفا من تكتشفها يوما فتجزع لصنيعك ..
اليوم إذا غضبت مني .. لم أملك إلا أن أتسلل حين تنام .. لأطبع قبلة مبللة بدموعي علي خدك ... كأنما حرارتهما تنطق كم أحبك ..
 كم آلمتني ..
اليوم لا أملك إلا أحيا بك ..
أن أبذل نفسي لاسعادك ..
أن أنفق عمري لقاء ابتسامة رضا من شفتيك .. أو ضحكة سعادة ..
لا أملك إلا حين أجد نفسي تشتهي شيئا .. أن أسرقه منها لأهديه لك عن طيب نفس و خاطر ..
لا أملك إلا أن أحياك ..
فالأرض لا تملك إلا أن تعشق ساكنها ..
و الوطن دائما يحتضن أحبابه ..
كم كنت ساذجة إذ اعتقدت أني اخترت يوما أن أحبك ..

رجل المستحيل !




 
أخذت أصابعها تعبث في الشنطة باحثة عن المفاتيح التي اختفت فجأة كعادتها كل يوم تلعب نفس اللعبة مع نور السلم الذي ينطفئ بمجرد أن تبدي رغبتها  في فتح باب الشقة .

 بمهارة من اعتادت اللعبة أخرجت المفتاح من وسط آلاف الأشياء التي لا تدري سبب وجودها .. فتحت الباب و انسلت إلي الداخل و هي تطلق الحذاء من قدميها التي أدماها الكعب العالي ، وضعت الملف الذي كان بيدها الأخري علي السفرة و هي تفكر أنها لابد أن تنهيه اليوم لتسلمه غداً.

بخطوات بطيئة مرهقة دخلت حجرة النوم ، تناولت ملابسها و إلي الحمام رأسا، عشر دقائق و خرجت بفوطة ملفوفة علي رأسها و هي تفكر أنه لم يبق لها إلا عشر دقائق أخري لتستريح فيها قبل أن يصل باص المدرسة بولديها الصغيرين .

ممممم هناك غسيل علي الحبل و آخر لازال في الغسالة يريد أن يحل محله علي الحبال ..

لابد أن يُنشر اليوم لأن قميص زوجها الأبيض فيه و هو يريد ارتداؤه غداً ، ليت كان باستطاعتها ارساله للمكوجي ، برغم أنه حرامي و لكن خير من المكواة .. آه كم تكره المكواة و تراكمها ..

جرس باب يرن بلا انقطاع في رأسها، ابتسمت في يأس و هي تنظر للساعة التي لم تمض منها إلا خمس دقائق ضاعت في الغسيل و المكواة.

نفس عميق ، شدت قامتها و كأنما عسكري جيش ، بخطوات واسعة ذهبت للباب لتستقبل أولادها الذين قفزوا عليها بغباوة الأولاد الأشقياء، الآن تعلم لم تمنت بنت !

 احتضنتهم بقوة و كأنما تعتذر لهم عن تمنيها و تؤكد حبها، رموا حقائبهم بسرعة في حجرتهم ثم لحقوها إلي المطبخ و هما يتكلمان في نفس واحد عن مشاجرة اليوم .. الولد الجديد بالفصل .. المعلم الذي أعطي أحدهم نجمة .. و آخر لعبة بلاي ستيشن جديدة اتحدا في مطلبهما الحصول عليها...

كانت تستمع لهما و ترد عليهما و هي في نفس الوقت تراقب الزيت علي النار و تحرص علي ابقائهم علي مسافة بعيدة عنه ثم تضع الرز و تعود لتكمل غسل الأطباق المركونة من الافطار ، تزيح أحدهما الذي يصر علي الاقتراب ليري و هي تقلب الرز مجددا .. ابتسمت ابتسامة متعبة و هي تفكر ، ها هي أصبحت رجل المستحيل الذي بمعجزة ما يحرك أطرافه الأربعة في آن واحد خارقا قوانين الطبيعة....

خفضت الحرارة تحت الأرز و تركته ينضج، ثم حملت طفليها تحت ابطيها و هما يضحكان و يركلان بقدميهما ثم ألقتهما علي الأسرة مع أمر حازم أن يبدلا ملابسهما و يستعدا للغداء.

انطلقت للبلكونة من أجل الغسيل ، ثم تركته في منتصفه لتفتح الباب الذي رن مجددا ليدخل منه زوجها ، تنهدت في استسلام مرهق .. يُصر كل يوم أن يضرب الجرس لتأتي ثم يفتح بمفتاحه .. تمتمت في تسليم ... لا إله إلا الله ..

أقبلت عليه فتناولت منه الجاكت و مشت وراءه إلي حجرة النوم و هو يزمجر من الحر و الزحمة و الشغل الذي لا ينتهي و اضطراره أن ينزل في المساء للشغل مرة أخري.

ربتت عليه بحنان و هي تتمتم بشئ عن  أن " كله بيعدي "

تركته فجأة و قد تذكرت الأرز المتروك علي النار ، أطفأت البوتاجاز ثم ذهبت لاعداد السفرة و استغلت الدقائق الباقية في انهاء مهمة الغسيل المعلقة ، ثم وضعت الطعام و جلسوا لتناوله هي صامتة متظاهرة بالاستماع و الأولاد يكررون علي مسامع أبيهم ما لتوهم أخبروها به من أحداث اليوم.

حملت بعدها الأطباق و أخذت تنظف المطبخ ثم خرجت منه بعد نصف ساعة لتجلس بجانب زوجها علي الأريكة أمام التلفاز و قد أرجعت رأسها إلي الوراء بعينين نصف مغلقتين و وجه عابس.

" مالك .. ؟ "

سألها ملتفتا إليها ..

لم تملك إلا ان تبتسم .. هناك أسئلة يكاد يكون من المستحيل الرد عليها .. بأدب !

كانت أعصابه فائرة من الشغل الذي سيضطر للذهاب إليه في المساء ، فتضايق من ابتسامتها التي بدت له مستهزئة فقال بلهجة حادة ..

" مالك ؟ ألم تسمعيني يعني ؟ ! "

التفتت إليه ببطء غير مستطيعة حتي أن تحرك لسانها لترد ، و بهدوء غير عابئة بحدته تناولت ذراعه و لفته حولها و مالت برأسها علي صدره مغمضة عينيها في تعب.

امتص تعجبه من تصرفها حدته ثم لان للينها بين ذراعيه فقبلها علي رأسها فابتسمت ..

ليته فهم أن هذا كان كل ما تتمناه ..

لن أعاتبك بعد الآن






لا أريد أن أعاتبك بعد الآن .. كن كيفما تريد أن تكون " 
لا تتسرع أرجوك ... 
فتظن بي الفراق و الهجر و الابتعاد .. 
أو  الملل و السأم من كثرة العتاب و طول الانتظار .. 
أو تقول فاضت بي مرارة خيبات الأمل و تمنيات الأحلام .. 
لأني أقولها لك بملء نفسي .. نفسي التي هي أنت .. و أنا قطعة منك .. 
تقولها لك أصابعي تكتبها ببطء و حنو و كأنما تترفق حتي بالكلمات التي ترسلها إليك .. 
أقولها مطمئنة .. ساكنة .. لما تريده أنت .. 
كن كيفما تكون سيدي .. سأظل دائما بانتظارك .. 
سيظل وطنك داخلي يحلم بعودتك و إن رحلت .. 
لن أعاتبك بعد الآن .. لأني أخشي علي قلبك من عتابي .. 
أخاف من حزنك علي حزني .. و ما يروعني سيدي قدر حزنك في الحياة .. 
و كيف تكون هناك حياة و حياتي معلقة علي ابتسامة شفتيك ... 
كن كيفما تكون سيدي .. فأنا أمانك و بين جنباتي أحفظ راحتك .. 
فلا ... ليس مني العتاب و ليس مني الملام .. 
ليس لك مني سوي كل حب و احتضان و مواساة و صداقة و اطمئنان ... 
فكن قاسيا إن شئت أو حنونا دافئا .. 
فأنا لا أحبك لحنوك و حبك لي .. 
و لكني أحبك لأنك أنت .. 
لأن الأرض لا تملك إلا أن تعشق ساكنها ..  
و إلا أن يذوب ترابها لوقع خطواته .. 
كن كيفما تكون سيدي .. 
لا عتاب بعد اليوم ..

عريس لقطة










وقف أمام المرآة يمشط شعره بعناية، ملامحه الوسيمة لا تشي بسنوات عمره التي قاربت الثلاثين. تناول الجاكت الأسود الأنيق وألقي نظرة أخيرة علي العنوان الذاهب إليه ثم التقط مفاتيح سيارته وخرج من الحجرة.
جال بنظره في الشقة الخالية وتساءل... هل ستسكنها يوما امرأة !
أغلق الباب خلفه علي الوحدة الساكنة بالداخل وبعينيه نظرة شجن ..
ليتها كانت معه، ها هو الآن معه الشقة والسيارة ومصاريف الشبكة والمهر التي لم يمتلكها منذ سبع سنوات.
منذ سبع سنوات حين كان غض برئ، مفعم بالحب و أحلام الصبا، لم يأبه لكلامها عن رفض أباها و أقنعها أنه سيقنعه. ذهب إليه وحدثه عن الطموحات و العمل الجاد ، عن الحياة التي قد يعيشاها بالكاد في البداية ثم ستزهر رويدا رويدا، فلا يعقل أن نبدأ من حيث انتهي أهالينا !
حدثه عن الشقة المتواضعة و العمل البسيط الذي لا ريب يوما سيكبر، بل واندفع و أخبره أنه يحبها وأنها ست البنات وخيرهن، أنه سيحافظ عليها كعينيه و يحميها بحياته..
كلاكس طويل أفزعه من ذكرياته، كلاكس طويل مزعج أشبه بأثر الرفض الذي تلقاه وقتها.. رفض تام كامل للفكرة من بدايتها، كيف أنه مازال صغير وهو يريد لابنته رجلا يحافظ لها علي نفس مستوي معيشتها ، كيف أن من حقه أن يطمئن عليها وأن يراها سعيدة، هانئة وغير محتاجة لشئ !
ضغط كلاكس حاد لسيارة أمامه منفعلا كأنما القصة حدثت بالأمس ..
وماذا عن حقي أنا أن أتزوج من أحب ؟ وماذا عن حقها هي أن تختار كيف تكون سعيدة ؟ ماذا عنا ... ماذا عنا .. ؟
ثرت و ثارت ، ثم انتهت الزوبعة إلي لا شئ و أخذها أبوها معه إلي الدولة العربية التي يعمل بها .
انقطعت بينهما الاتصالات رويدا رويدا وبعد سنتين سمع أنها تزوجت ..
اغرورقت عيناه بلمعة الذكريات .. أين أنتِ الآن ؟؟
ها أنا.. ها أنا... أملك الشقة الفاخرة و السيارة الجميلة و الدخل الذي يرضاه أبوكِ ..
و لكن ، ذاهب ...
 ذاهب لألقي عروسة أبوها منتظر من هو مثلي ، عريس لقطة .. يملك شقة و سيارة و دخل مريح بعد سنوات الوحدة و الشقاء..
 ليحيا المجتمع و يسقط الحب ..
زفر في يأس،  انتزع نفسه من ذكرياته وهو يحاول أن يستعيد ابتسامة تعينه علي ما هو مقدم عليه، لم تمض نصف ساعة و كان قد وصل أمام العمارة في موعده تماما.
 
أما فوق، في الشقة، كانت العروس المنتظرة جالسة علي سريرها تفرك يديها بعصبية، من أين أتاني عريس الغبرة هذا !
قامت من مكانها ودقت الأرض بغيظ وهي تفكر " لن أتزوج إلا من اختاره قلبي فقط "
تعلم أنها مقدمة علي فترة عصيبة ، سيضغطون عليها و يضغطون و يحاولوا اقناعها بكافة الطرق والوسائل ، سيهددون ويتوعدون .. يا ربي ماذا أفعل الآن!
أخذت تطوف بالحجرة حتي سمعت جرس الباب فهبط قلبها بين قدميها، دقيقة ووجدت أمها تطلب منها الخروج.
خرجت فوجدته أنيقا، وسيما، يبدو أباها مستبشر و أمها فرحة.
يا ويلي ، ماذا سأقول عنه هذا ؟
" لن أقبل يعني لن أقبل "
جلسوا يتحدثون في مواضيع عامة و هي تنطق الكلمة بالكاد إلي أن استأذن العريس أن يجلس معها قليلا، انزعج أبوها بعض الشئ فهو لم يعتد ذلك لكن شجعته أمها بأن أخذت أباها و جلسوا في الصالون المقابل.
حاول أن يفتح حديثا معها و قد لاحظ امساكها عن الحديث.. كان توترها بلغ أقصي درجاته، فانفجرت فيه بصوت هامس لئلا يسمعها أبوها و أمها...
" اسمع ، أنا أحب شخص آخر، أرجوك .. أنت تبدو انسان محترم و لا غبار عليك و لكن أنا لن أتزوج غيره"
تراجع للوراء قليلا متفاجئا من ردة فعلها، ظل صامتا بعض الوقت دون أن يقول شيئا ...
أما هي فقد امتقع وجهها و لم تدر كيف تفوهت بذلك...
ابتسم لها ابتسامة طمأنينة و قال بخفوت...
" لا بأس"
شرد قليلا و لم يستطع إلا أن ينساب مع تساؤلاته مفكرا...
ليت حبيبتي كانت فعلت مثلك ...
دقائق من الصمت قطعها حضور أباها و أمها ...
كلمات مجاملة اعتيادية ... لسان حاضر معهم ..
و قلب مغرق في الذكريات حتي انصرف ...
في طريق عودته .. اتصل بصديقه الذي أحضر له العروسة و أخبره أنهما لم يتفقا كثيرا ...
 كلام من قبيل .. كله نصيب
كان قد وصل إلي بيته بانتهاء المكالمة ...
دخل شقته الخاوية ..
مطرقا إلي الأرض و كأنما يتجاهل سؤال الجدران الباردة...
ماذا لو كانت حبيبتي فعلت مثلها .. 
هز كتفيه في أسي  و غمغم في خفوت ...
يكفيني أني لم أحرم حبيب آخر من حبيبته ...
يكفيني أني حرمت المجتمع من رغبته السادية في تفريق الأحباء ..



أنت لست مجبرا أن تسمعني






هناك نظرية تقول ببساطة ..

أنه عندما أتحدث إليك الآن في هذه اللحظة ..

"انت لست مجبرا أن تسمعني"

بإمكاني أن أملأ الدنيا حديثا و كتابة ، شرحا و كلاما مستفيضا ، بل عويلا و صراخا ..

و بإمكانك بسهولة أن تصم أذنيك عني ، أن تغمض عينيك و تخطف قيلولة صغيرة فيم أنهي كلامي أو تستكمل حديثا هامسا بينما أشرح قصدي ..

مهما كان كلامي مهما، مهما كانت القيم التي أدعو إليها سامية و نبيلة ، بل حتي لو كانت الفكرة التي أريد توصيلها إليك يتوقف عليها مصير البشرية ..
 بيدك دائما أن تختار ألا تسمعني .

إن نبل الغاية و سلامة المقصد لا يغفران للمتحدث أو الكاتب جهله بالطريقة المثلي لجذب من أمامه.

إن المدرس الذي يكتفي بأن يعطي دروسا و واجبات و يأمر تلاميذه أن يملأوا الصفحات ترديدا لما في الدرس عشرات المرات، إنما يعطيهم عذرا أكبر لكي يتهامسوا من وراءه و يتقاذفوا الطائرات الورقية ملئاً للفراغ الذي يتركه في أنفسهم حين يتحدث
 و هو بالتأكيد السبب الرئيسي وراء نسيانهم كل ما جعلهم يحفظونه عشرات المرات بمجرد أن ينهوا الامتحان.

و المحاضر الذي يكتفي بأن يجلس إلي مكتبه و يفتح كتابا بين يديه أو بعض الأوراق ليقرأ منها بصوت رتيب خال من الحياة سطور ميتة يلقيها علي مسامعنا...
يعلم جيداً أن بإمكاننا أن نقرأها وحدنا .. متكئين علي أسرتنا في حجرة جميلة ..
مكيف يعمل علي أقصاه و كوب شاي تفوح منه رائحة النعناع العطرة لهو بالتأكيد مشجع علي الجلوس في البيت أكثر بكثير من أن نجلس أمامه ليقرأ لنا كأطفال الروضة !

مهما كانت الدروس التي يلقيها المدرس مهمة و نافعة و مهما كان العلم الذي يحمله المحاضر قيما، فإن علي كل منهما أن يدرك جيدا أنه يجب أن يكون ما يقوله جذابا بما يكفي لكي يجعلني أستمع إليه و أفضله علي غيره من وسائل المعرفة التي أصبحت في متناول الجميع في العالم الذي نعيشه اليوم.

لا تتكلم عن فشل الطلبة و عدم اصغائهم .. لكن تكلم عن اهمال المحاضر و قلة مجهوده في توصيل المعلومة ..

يجب أن يدرك المعلم، سواء كان مدرس أو محاضر ، أن مهمته اليوم أصبحت أكثر صعوبة و أثقل وطأة من معلم الأمس الذي كان ينفرد بكونه مصدر المعلومة الوحيدة.

فالعيب كل العيب علي من يلقي لا علي من يتلقي...

فمن يلقي يحمل مهمة مقدسة عليه أن يسعي لها بكل جهده و لو اقتضي الأمر أن يتحول بهلوانا أو ساحر إذا كان ذلك سيؤدي لترسيخ الفكرة الناضجة و العلم الحقيقي في أذهان من يلقي عليهم.

إن علي المعلم أن يدرك أننا دائما نملك اختيار ألا نسمع و أن مهمته الأساسية ...

" أن يجعلنا نسمتع لما لديه"
 
 

كبرنا !!





فجأة !
نكتشف اننا حقا كبرنا ..
ننظر خلفنا و نشعر أن ذلك الزمن الذي كان أكبر ما يقلقنا فيه أننا لم نحل الواجب أو نحفظ النص صار بعيدا بعيدا و كأننا لم نحياه حقا ..
كأنه كان حلما و انتهي ..
تلك السعادة التي كانت تغمرنا حين نحصل علي بضع جنيهات زيادة تؤمن لنا كيس أكبر و أكثر تنوعا من الحلوي ..
بهجة الحقيبة التي نجرها وراءنا علي عجلات لئلا نضطر لحملها ..
 الزمزمية الجديدة ..
جرس الفسحة ..
حصة فاضية ..
حصة ألعاب ...
ثم نكبر قليلا و نعرف متعة التزويغ ..
ثم مشوار " التلكعة" الطويل إلي الفصل الذي غالبا ما كان ينتهي بغضب المدرسين و ضحكاتنا المكتومة ..
كنا نشعر وقتها أننا صرنا أكبر من أن نخاف منهم ..
و تمرد المراهقة يدفعنا خفية أحيانا لأن نخالف أوامرهم عمدا لنحظي بمتعة ضحكاتنا المكتومة التي تؤكد أنا لم  يعد يهمنا الأمر ..
ثم أول مرة نخطو فيها داخل الجامعة ..
شعور لذيذ .. ممتع .. كأنك حققت شيئا كبيرا و مهما بأن دخلت هنا ..
طموحات تناطح السحاب بأنا سنفعل و سنفعل ..
تركيز في أول محاضرة أو مشاغبة اثبات الذات ..
ثم نبدأ قليلا قليلا ندرك أن الأمر ليس كما نتصور ..
رويدا رويدا ..
نهتم بالملغي أكثر من المقرر ..
نفرح بمن يعطينا الأسئلة .. و ننأي عمن يعلمنا إجاباتها ...
و تعدو السنين بنا نلهث وراء النجاح ..
ما بين قلق الامتحانات و توتر انتظار النتيجة ..
فرحة غير متوقعة .. أو خيبات أمل لم ننتظرها ..
و العنصر المشترك أن النتيجة دائما غير متوقعة ..
و نبدأ نعاملها بنفس منطق الكبار عن الزواج ..
كله نصيب .. و كأن العلاقة انتفت بينها و بين المجهود بصورة ما ..
و برغم كل ذلك ..
برغم كل الأحلام الضائعة .. و الآمال المتروكة
نكون أجمل صداقاتنا و أبقاها ..
نختلس لحظات ضحك تنقش في ذاكرتنا ..
تصرفات متهورة و أحيانا مجنونة  ..
أفكار كثيرة تتغير .. ثم تتغير .. ثم تعود لتتغير ثالثا و رابعا ..
لأنا ببساطة نكتشف أنا تعلمنا التفكير ..
و تعلمنا الكثير ..
و في لحظة ...
نقلب في صورنا القديمة ..
ننظر إلي وجوهنا التي كانت .. بريئة
نمسح التراب عن نقش الذكريات في أذهاننا ..
لحظة .. نكتشف فيها فجأة ..
أننا حقا كبرنا !!

ماذا تريد المرأة ؟




 
 
 أليس أمرا عجيبا أن الرجل دائما يسأل " ماذا تريد المرأة ؟ "

بينما لا نجد السؤال العكسي " ماذا يريد الرجل؟ " يتردد بنفس الكثرة .

 بل علي العكس نجد نساء كثيرا منغمسات في معرفة ماذا يردن هن ...

 ماذا تريد المرأة !

 يبحثن عن أسئلة التحليل النفسي ، يسعدن بمقتطفات تصف كم هي جميلة و جذابة مولودة شهر من الشهور، يفكرن بعمق و يستقصين مشاعرهن ليعرفن علي وجه الدقة ماذا يردن و كأن شيئا خافيا فيهن يكمن  و لا يعرفن!

و علي الوجه المقابل يكون الرجل بنفس الحرص يبحث عما تريده المرأة ، عما يسعدها و يرضيها ، عن الطريقة المثلي للاعتناء بها ، عن الوسيلة الأفضل لسبر أغوارها و فتح صفحات نفسها كتابا مكشوفا أمامه .

و يكون رجل يُنظر إليه بغبطة من بقية الرجال ذلك الذي يستطيع أن يفهم أي امرأة و الذي تسعد معه جميع النساء و إن كان ذئبا في نظرهم.

أمر عجيب أننا النساء لم ننتبه لحقيقة بسيطة أن الأمر كله متعلق برضانا أولا و أخيرا .

إن الرجل عندما يرضي امرأته و يحقق سعادتها يكون ذلك هو كل ما تصبو إليه نفسه و علي نحو غريب تكون سعادتها "هي" كل ما تسعي إليه "هي" أيضا ، و كأن العلاقة بأكملها مسخرة لاسعادها.

و ما إن تتحقق هذه السعادة حتي تردها أضعافا مضاعفة حنوا و مودة و مسامحة خالصة و نورا صافيا تغدق به علي رجلها الذي أسعدها.

إن الرجال برغم كل ما يمكن أن نلصقه - نحن النساء - بهم من عيوب ، إلا أنهم في الواقع لا يبحثون إلا عن سعادتهم في رضائنا.

و ما تذمرهم من "نكد" النساء إلا وسيلة أخري للتعبير عن سخطهم من فشلهم في رسم البهجة علي وجوهنا.

و كأنهم يواجهون ما يُعتبر بالنسبة لهم فشل في الهدف الأسمي بأن يُلقوا اللوم علينا بأننا صعب جداً ارضاءنا.

أيها الرجال، استريحوا ..

إن أي امرأة في العالم إنما تبحث أولا و قبل كل شئ عن أمان الحضن الدافئ و راحة إلقاء المسئولية عليك باطمئنان و اخلاص غير مشروط.

إن ذلك لا يتطلب منكم سوي أن تتركوا قلوبكم ، تلك التي تبحث عن رضانا تتحدث بدلا منكم، و حينها لن يزعجكم كثيرا ..

" ماذا تريد المرأة ؟ "