دفء الغياب






فراشات صغيرة يشكلها ضوء الشمس المنعكس علي حائط غرفتها ...
تفتحت عينيها الواسعتين في براءة .. كأنما لتوها أفاقت من حلم جميل ..
داعبت بنظرة طفولية أجنحة الفراشات الشمسية المتناثرة ..
هدوء الصحو في نفسها كمياه رائقة تتأرجح مع النسمات ..
سرحت قليلا ..
ثم بيد مرتجفة اللهفة .. تناولت صورة زوجها من جانبها ..
تأملتها قليلا بابتسامة حانية ..
اقتربت بأنفاسها ..
ثم قبلتها ..
 قبلته ..
برقة .. و شغف ..
"صباح الاشتياق .."
همست إليه ..
أعادت الصورة مكانها ..
ثم تقلبت ببطء علي جانبها ..
و بأنامل مرتعشة تفقدت دفء الغياب ..
دست أنفها في وسادته و استنشقت طويلا .. طويلا ..
و استغرقت عميقا ... عميقا ..
في رائحته ..
بأصابع منقبضة علي الملآة .. تعلقت به
و احتضنته ..
حضن دافئ .. حنون .. مشتعل ..
بينها .. و بينهـ...ا
أزاحت الغطاء قليلا .. بعيدا ..
يكفيها أن تتدثر به ...
و تستلقي في حضوره الحالم ..
طرقات علي الباب ...
مقبضه يتحرك ...
ثم دخل ..
هو ..
بإشراقة قدومه ..
و تلقائية رجولته ..
و حنوه الآسر ...
اقترب منها بابتسامته الرائعة ..
تناول يدها برقة ..
ثم طبع عليها قبلة حنونة .. و هو يقول ..
صباح الخير يا حبيبتي ..
ارتفع حاجباها في تأثر واضح ..
و ارتفعت يدها تتحسس وجهه الجميل .. و ملامحه المتناسقة ..
فابتسم بحنو ..
و قبّل باطن يدها .. ثم قال ..
سأحضر الفطور و أعود إليك ...
أرادته ألا يذهب ...
أنت زادي .. لا تذهب ..
و لكن كانت خطواته أسرع من ترجمة مشاعرها لكلمات منطوقة ..
رأته يغلق الباب خلفه .. فاحتضنت يدها التي قبلها ..
و ظلت ساهمة في الفراغ ...
أما هو ...
فخرج من الغرفة .. و استند إلي الحائط في وجوم حزين إلي أن أفاق علي يد تربت علي كتفه ..
كان خاله الذي قال و هو يشير لباب الغرفة ..
"كيف حال أمك ؟ "
غمغم في حزن ..
" كما هي ... منذ مات أبي و هي تعتقد أني .. هو."

من حقي أعمل أي حاجة حرام






من حقي أعمل أى حاجة حرام ..
من حقي الشخصي أنه طالما كان هذا الحرام لا يشكل أى اعتداء عليك و لا يتعدى علي نفسك و جسمك و حريتك .. أن تتركني و شأني !
من حقي أن تحترم رغبتي أن أرتكب أى محرم .. طالما لم أتعد حدود دائرتي الخاصة ..
هذا هو الحق الأساسي الذي أعطاه الله لكل انسان مكلف .. و لذلك جعل النار المسئولية المقابلة له ..
من حقي إذا شئتُ أن أتحمل دخول النار ..
لك أن تهتم لأمري و تنصحني .. و تقف عند هذا الحد ..
ليس لك أن تقتحمني و تفرض علي دخول الجنة .. التي بأية حال لن أدخلها برقابتك علي ..
إن سياسة فرض الدين و الوصاية .. بدعوي الحرص علي الناس من النار ..
إنما هي أكبر مفسدة تواجه الايمان ..
الايمان الحق يعني أمرا واحدا ..
أن من حقي أن أرتكب أي محرم ..
لكني لن أرتكبه ...
عن ارادة حرة و اختيار ..
لأن ببساطة .. مانعي ليس رقابتك الشكلية و وصايتك المزيفة ..
و لكن مانعي هو أن "الله أكبر" في نفسي من كل المحرمات ..
ألم تكن احدي حجج الكافرين يوما أنهم قالوا ..
"وقالوا لو شاء الرحمن ما عبدناهم"* (يقصدون أصنامهم)
لكن الله لم يمنعهم عن عبادة الأصنام ..
لأن الله أعطاهم حق الكفر ..
و أعطاهم العقل و القلب و البصيرة و الفطرة .. ليختاروا .. و ليستحقوا في الحياة الآخرة جزاء اختياراتهم في الدنيا ..
ليستحقوا الخلد في النار جزاء حريتهم التي استخدموها في الكفر ..
أو يستحقوا الجنة جزاء طاعتهم و حبهم لله و تركهم لما سواه الذي كان باستطاعتهم اتيانه بمنتهي الحرية ...
ألم يكن الله بقادر علي أن يجعلنا جميعا طائعين .. خاشعين .. نسمع و نطيع و لا نعترض ..
ألم يكن الله بقادر علي أن يفرض علينا بإرادته التي تعلو علي كل إرادة أن نصلي و نصوم رغما عنا ..
لكن الله لم يفعل ذلك .. لأن مناط الايمان الحقيقي هو حرية الاختيار ..
حرية اختيار كل ما هو خاطئ و دنئ و حرام ..
كل ما هو شهواني و مظلم و حقير ...
و حرية أن تلقي كل ذلك خلف ظهرك ..
أن تسمو بإنسانيتك ...
أن تخرج من ظلمة نفسك إلي نور الفطرة السليمة ..
إلي نور الحق و العدل ..
و وحده كل الحق و العدل ...
ارفعوا أيديكم الملوثة بوصايتكم السوداء عنا ..
و دعونا نتنفس حق الايمان ..
و نعيش أحراراً ..

*آية 20 من سورة الزخرف

اشتموا






تكلموا .. تكلموا كثيرا ...
اشجبوا و تشاتموا و العنوا ...
صبوا جاب غضبكم فوق الرؤوس ...
كلام .. !
اشعروا بالرضا عن أنفسكم أكثر و أنت تغيرون صور الفايسبوك ..
و تتشاركون صور الضحايا و جثثهم الدامية ...
دعوا لمعات الدمع في أعينكم تنبئ عن إنسانيتكم و تأثركم ..
أصفق لكم بكلتا يدي ..
هنيئا .. هنيئا .. لقد قمتم بواجبكم الاجتماعي السياسي ..
شتمتم الحكومة .. و طالبتم بالإقالة ..
و سخرتم كثيرا من تباطؤ ردود الأفعال ..
حقا !!
أهكذا أرضيتم ضمائركم .. في كل مرة .. فقط .. !
إن العيب ليس في القطارات الكارثية و الرئيس المغرق في الذنب .. فقط
العيب ليس في السائق أو عامل المزلقان أو رئيس الهيئة أو الوزير .. فقط
العيب كل العيب علي كل منا ...
نحن الذي ترسخ في أنفسنا الاهمال و انعدام الضمير و الأخذ بالتساهيل و التركيز علي الأشكال و تفريغ المضامين ...
العيب كل العيب علي كل طالب يدرس و لا يهتم بأن يتعلم ..
علي كل عامل يهتم بالوصول إلي العمل .. لا القيام به ..
علي كل من قصر الجلباب ... و نسي أن يقصر لسانه و شره عن الناس ..
العيب فينا و منا ..
و الفارق الوحيد بيننا و بين المسئولين عن الكارثة  ..
أن القدر وضعهم في كارثة فقد أرواح ... فانكشف اهمالهم .. و تعري وضعهم ..
و لو أنا كنا أماكنهم .. أو شاء الله أن يعري اهمالنا جميعا
لما بقي في هذه البلد من شخص علي قيد الحياة ..
إلا من رحم ربي ..
أفيقوا يرحمكم الله