حاسة ملَكية






دائما كنت و مازلت أعتقد أن حاسة الشم هي الأكثر تميزا و ملكية بين جميع الحواس علي الاطلاق ..
إنها الحرية في أنضر صورها و أبهاها ..
الحنين في أكثر لوحاته شجنا ..
الشغف في أشد لحظات جنونه ..
إننا حين نغمض أعيننا و نطلق لحاستنا أن تتلمس طريق الروائح ..
إنما في الحقيقة نطلق العنان لخيالنا .. لأقصي طموحاتنا و أحلي أحلي آمالنا لتتحقق تماما كما كنا نتخيلها دائما ..
إنه التجرد الأفضل من كل الأحكام المسبقة  ..
إنها فقط الرائحة تتسلل إلي أنفك مشبعة بالحياة .. تاركة لك كل الحرية أن تصيغ شكل هذه الحياة كما تشاء ...
إن رائحة النعناع العطرة ترسم لك لون أخضر مبهج .. يحمل تفاؤل ساعات الصباح الأولي ...
و عبير وردة تضوعت بكل ما فيها من عطر لكفيل بجعلك تكاد تشعر بملمس قطرات الندي علي شفتيك ..
رائحة البحر هي التي تخلق طعم الملح الذي ينساب في خلاياك ..
رائحة .. أمي
حنو الحضن المشبع بالدفء و الأمان ..
رائحة حبيبتك ..
ذلك العطر الفواح من النعومة و الأنوثة الذي ينتقل إليك دون أن تمسها ..
فقط بأن تستنشقها ..
 عميقا ..
رائحة حبيبك ..
حين تضمي ثيابه إليك ..
حين تغمري نفسك في حواسه المعطرة بك ..
إن الرائحة لهي دائما الدليل الأوثق لأجمل ذكرياتنا ..
إننا قد ننسي اسما .. أو شكلا ..
لكنا أبدا لا ننسي أجمل روائح الذكريات .. تلك التي توقظ الحواس في لحظة ..
تبعث فيك نشوة السعادة التي احتوتك يوما .. حتي و إن لم تتذكر الموقف ..
لن تنسي أبدا رائحة الاحساس ..
إنها حقا حاسة ملكية متوجة علي جميع الحواس ..

سأعود إليك






أمسكت كتابا أدري أنه لامس راحتيك ..
التقط بعضا من عطرك ..
و آنست ورقاته .. أنفاسك..
أقرب كلماته مني و أبقيها علي اختلاط بأنفاسي ..
و بقايا أنفاسك ..
أقلب صفحاته بدفء أناملي ..
و أتمني داخلي ..
لو كنت لحظة قرأته تفكرت بأناملي ..
و باحتياجك لدفئي ..
أنفصل عن العالم حولي ..
و أنغمس فيك ..
في الكتاب .. أقصد ..
في كل كلمة أعرف أنها تصفني و تصفك ..
تصف كل ما لم يحدث بيننا ..
و نرجوه ..
كل رجفة شوق ..
و اندفاعة عشق ..
و لذة لقاء ..
تحيا في كلمات هي أقرب ما تكون .. للحياة ..
أتوقف عند كل فاصلة و نقطة أعلم أن عينيك مرت بهما ..
ما أجمل عينيك ..
ما أعمق عينيك ..
أستعيد قراءة المقاطع التي أحببتها ..
أعلم أنك أحببتها من فرط وصفها لجنونك .. و عشقك .. و احتياجك ..
و اجتياحك ...
أغمض عيني عند كل حنو جارف .. مكتسح ..
 من حضن .. أحسبه ليس إلا حضنك ..
ثم أخبئ وجهي كالبطلة التي أحسبها ليست سوي أنا ..
في صدرك ..
كل الأبطال أنت ..
و كل أنثي تحتل البطل .. و تسكنه ..
 هي أنا .
كل القصص قصتنا ..
 ....
نفس عميق داخلي ..
أسيطر به قليلا .. فقط قليلا ..
علي احتلالك ..
أكاد أثني طرف الورقة عند الصفحة التي توقفت فيها ..
فأذكر كم تكره ذلك ..
فأعدل و ألتقط ورقة أطويها داخله ..
أطويها علي مشاعري ..
و أنا أعلم ..
أنك ستحب أني تذكرتك ..
و تجنبت ما تكره ..
أغلق الكتاب ببطء ..
و كأنني أسحب يدي من يدك علي استحياء ..
فأشعر بك .. 
بالكتاب..
 يمتعض حزنا لابتعادي ..
فأعود أمسح علي ظهره بحنان ..
سأعود إليك ..