فراشة






شعر متطايرة خصلاته جمعته فوق رأسها في كرة عجيبة لفتها حول فرشاة الألوان ...
بتركيز شديد مالت علي اللوحة أمامها تضع عليها لمساتها الأخيرة ...
بضع دقائق ثم ابتعدت للوراء ..
أخذت تنظر لها من زوايا مختلفة و ابتسامتها تتسع ...
ثم اقتربت مجددا .. و اضافت بعض الرتوش ..
نظرة أخيرة ...
ثم ابتسامة عريضة شملت وجهها الطفولي كله و هي تصفق بيديها ..
"رائعة"
تأملتها لحظات سعيدة بما أنجزته ...
و نشوة متألقة انعكست علي وجهها الذي أشرق ...
كم تسعد حين تكون اللوحة وفقا لما تخيلته تماما ...
ستضعها في منتصف القاعة يوم يتحقق حلمها بإقامة معرضها الخاص ...
شعرت برغبة مفاجئة في الاحتفال ...
فتحت النافذة علي مصراعيها تاركة نور الشمس يتدفق داخلها ...
وضعت قطعتها الموسيقية المفضلة و أخذت تتمايل علي وقعها ...
دائما الفن يجعل روحها تتفتح كفراشة لتوها غادرت شرنقتها ...
شعرت ان كل هذا لا يكفي ...
تحتاج لاحتفال أكبر مع نفسها ...
كلمة سحرية وحيدة صفقت لها في سعادة ...
"تسوق ... ستذهب للتسوق .. "
ثم ستكافئ نفسها بكأس آيس كريم كبير ..
ارتدت ملابسها و هي تشعر أن تلك الفراشة المتفتحة داخلها تطير حولها سابحة في ضوء الشمس ....
تركت شعرها حرا علي كتفيها بعد أن ساوته ...
 ثم تناولت مفاتيحها و خرجت ...
 ظلت تتجول بين المحلات و لم تتجنب كالعادة النظر إلي نفسها في الواجهات ...
كانت راضية تماما علي نحو أعطاها دفعة ثقة عالية ...
أعجبتها قطعة ملابس .. فدخلت إلي المحل الخالي من الزبائن و وقفت تقلب بين أرففه قليلا ..
لم تلبث أن وجدت فجأة فتاة تقف خلفها مرتدية زي المحل ...
ثم قالت لها بلهجة مفتعلة الرقة ...
" احم .... مم .. للأسف كل المقاسات هنا صغيرة ... محلنا الآخر توجد فيه كل المقاسات "
انطفأت فراشتها قليلا و انخفضت أجنحتها في خجل من تعليق الفتاة علي حجمها الذي ورثته عن أباها ...
أرادت أن تكيل لتلك السخيفة بضع لكمات و لكن كانت فراشتها لازالت تحلق فارتأت أن تتجاهلها حفاظا علي مزاجها الرائق ..
ظلت في المحل بضع الوقت معاندة ...
ثم خرجت للخارج ...
أعاد لها استنشاق الهواء بعضا من حيويتها و ابتسامتها الجميلة ...
ثم أسرعت الخطي قليلا مبتعدة و هي تري شابين قادمين نحوها و أحدهما يغمز بعينه معاكسا جمالها ..
خبأت ابتسامتها التي سعدت رغما عنها بمعاكسته ...
ثم رأت صديقه يضحك و تناهي إلي مسامعها ..
" و دي هتعاكسها من أنهي اتجاه دي !! "
توقفت أجنحة فراشتها عن التحليق و هوت إلي الأرض ميتة ...
نظرت إلي الأرض في أسي ..
و في سخرية مريرة فكرت ...
ربما لست فراشة حقا ... لا توجد فراشة في حجمي !




الكاتبه || هـنـد حنفى ||

اترك خلفك كل شئ .. و اسمح لخيالك أن يتنفس .. اغلق عينيك .. تجاهل صخب الحياة .. احلم و ابدع و ابتكر .. و عش "هندي" .. من عالم آخر .. أنا هندية .. هند حنفي