الفصل الثالث: هوي القلب صريعا







انتهي شم النسيم و عادوا إلي القاهرة و مضت الأيام سراعاً سراعا و حلت امتحانات آخر العام لينشغل كل منهم بالمذاكرة و الامتحانات و أُعلنت حالة طوارئ في العمارة كلها و لم يعودوا يرون بعضهم إلا لماما حتي قدمت الإجازة في أواخر شهر يونيو .
 و بعد ما يقارب شهر من بدءها ، كانت نور جالسة أمام التلفاز ممسكة الريموت في تراخي و أخذت تنتقل من قناة لأخري في ملل واضح و هي لا تجد ما يشغلها عما يدور برأسها من خواطر .... أقفلت التلفاز و خرجت إلي الشرفة محاولةً التلهي عما بها فأخذت ترقب المارة ، ثم وجدت عمر يخرج من باب العمارة و يركب سيارته و ينطلق بها .
زفرت في ضيق و عادت إلي الداخل ، كادت تفتح التلفاز مرة أخري و لكن تراجعت ، ذهبت إلي حجرتها و أقفلت الباب ، وضعت شئ من الموسيقي الهادئة ثم نامت علي السرير في استرخاء .
 و لكنها في الحقيقة لم تكن نائمة أبداً .... اشتعلت رأسها بأفكار كثيرة و خواطر مؤرقة ... ها هي الامتحانات انتهت و كل قد أنهي دراسته بانتهاء عامه الأخير .. هي في كلية آداب و عمر في كلية تجارة ، و حتي ياسين كان في عامه الأخير في هندسة ... أخذت نفسا عميقا علها تهدئ العاصفة الثائرة بنفسها ، مضي أكثر من شهرين علي آخر مرة جلست فيها مع عمر عندما كانا في البلد في شم النسيم وقال لها كلماته تلك التي لم تستطع التوقف عن التفكير فيها و مازالت ترن في أذنها حتي اليوم ... تري ماذا كان يقصد؟
أكان يقصدها و يلمح لها بحبه ... ! و إن كان يقصدها ، فلم لم يصرح لها بمشاعره و يريحها ؟ أكان يخشي صداً ؟! ياله من غبي إن طافت تلك الفكرة برأسه ، كل هذا الحب الذي تكنه له و تصده ...! كيف تصده و هي تشعر بالشوق يكاد يفتت كبدها و يذيب قلبها من شدة لهفتها علي مرآه و سماع صوته ...
 لماذا تشعر أنه أهملها و انشغل عنها و كأن قلبه مشغول بغيرها ! ... تلألأت الدموع في عينيها عندما تخيلت هذا الخاطر و كادت تنهار ، لكن قلبها أسرع يهدئها .. لا تجزعي هكذا .. بالطبع لا ، بالطبع لم ينشغل عنكِ بإرادته ... إنها فقط الامتحانات التي سلبته كل وقته و الآن هو منشغل بنتيجته و مستقبله .
 لم ترتح لهذا التفسير و إنما زادها قلقاً ، و أين أنا من هذا المستقبل ؟ أشعر أنه يتسرب مني إلي حيث لا أدري و كأني لست جزء منه كما خيل إلي  .. حتي في المرات القليلة التي رأيته فيها خلال الامتحانات ، بل و بعد بدء الإجازة ، كان يجلس دائماً شارد ، محدق في الفراغ و كأنه ليس معي و كأنه لا يراني و لا يسمع صوتي  ... عادت الدموع إلي عينيها مع وقع الكلمات القاسية علي نفسها ، فانبري قلبها يدافع قائلاً ، ايتها البلهاء ، ماذا تحسبين .. بالطبع يفكر في مستقبله و ماذا ينوي أن يفعل و ما إذا كان سيسافر ، أم تظنين أنه ليس برأسه سواك ... بالعكس ، أعتقد أنه لو لم يكن يُشغل سوي بك لما كنت أحببتيه ... أنت أحببت به طموحه و اجتهاده و رجولته في تحمل مسئولية نفسه ، و دون أن تشعر وجدت نفسها تومئ برأسها و كأنها ترد علي كلام قلبها......
 و لكن عقلها لم يتركها تخضع لتأثير سحرالقلب ، فرد في قوة ، بل أنت فعلاً بلهاء إن صدقت تلك الكلمات المعسولة التي يخدعك بها قلبك .... لو كان عمر يحبك لم يكن ليُشغل عنك في حضرتك قط ... إذا كان يهواك حقاً لما كان رأي غيرعينيك ، لما انتبه لغير كلامك  و لا سمع إلا صوتك ... لكان حرص أشد الحرص في تلك السويعات التي يلقاك فيها علي أن يخلص ذهنه لكِ .. وحدك ... حتي يستطيع أن يصبر علي بعدك عنه .. و حتي إن كانت الامتحانات تشغله ، فأعتقد أنها انتهت الآن و الحال لم يتغير منذ بدء الإجازة و أرجوكي لا تقولي النتيجة ، فلم تكن لتشغله عنك .. هذا إن كان حقاً يهواك ...
زفرت في ضيق و قامت من مكانها و كأنها تحاول أن تهرب من هذا الكلام الذي يكاد يذهب بأنفاسها، أحست برأسها يكاد ينفجر من كثرة التفكير... لابد أن تتكلم مع أي شخص، لابد أن تسمع صوتا آخر غير مشاحنات قلبها و عقلها و إلا جنّت..
مع من أتكلم يا ربي ؟ "
 هكذا رددت في نفسها ، تذكرت أباها و أمها و لأول مرة تشعر أنها وحيدة ... وحيدة ، و الضيق يعصف بها و يطبق قبضته عليها دون أن تجد من ينتشلها مما هي فيه أو ينقذها مما تعانيه ... و فجأة قفز إلي ذهنها اسم "ياسين " .
طبعاً " ...
هكذا رددت في خفوت ، كيف تاه عن ذهنها ، بالطبع الوحيد الذي سيفهمها و يستوعب ما تمر به هو ياسين . لطالما كان لها نعم الأخ و الصديق و مستودع حكاياها و كاتم أسرارها .... دائما ما يستطيع بصوته الهادئ و نبرته الواثقة و عقله الناضج و حنانه و طيبته أن يخفف من آلامها و يهدي حيرتها.
لعلها لم تعرف يوما في حياتها شخصا يشبهه، أو قلب يشبه قلبه، قلب تشعر و كأنه لم يعرف و لن يعرف سوي الحب و الحنان... حب لله و لأهله و أصدقائه و جميع الناس من حوله ، حب دائما يمس كل من يتعامل معه و يتضح في تصرفاته و اهتمامه بكل من يعرفه و حتي من لا يعرفه ... ابتسمت ابتسامة صغيرة و هي تفكر أن الأمر يبدو كما لو كان الله قد نزع من قلبه أي كره أو حقد أو حسد ، و ترك قلبه صافياً ، نقياً و لسانه معسولاً ، لا يقول سوي كل طيب و كأن كلماته بلسم شافي لأي جرح يصيب النفس .
أمسكت سماعة الهاتف و كادت تطلبه لكي ينزل لها – فهم يعيشون جميعاً في عمارة واحدة يمتلكها الجد – و لكنها عادت و ترددت ... كيف تحكي له و من أين تبدأ و ماذا تقول و هي لم تخبر أحد أبداً بما يكنه قلبها لعمر، شعرت بالخجل يغمرها و ابتلعت ريقها في صمت و أخذت تقلب الموضوع في رأسها و حاولت أن تعد كلمات تقولها و لكن كل الكلمات ذهبت و ذابت واختفت.
عقدت حاجبيها في ضيق ، ثم حسمت ترددها و رفعت السماعة و قررت أن تكلمه ، ليكن ما يكن ... لابد أن تحكي و تبوح بما في نفسها و هي واثقة أن ياسين وحده يمكنه فهمها .
طلبت الرقم فرد عليها أحمد أخو ياسين - الذي لم يتجاوز الحادية عشرة من عمره - و أخبرها أن ياسين ليس موجودا ، أقفلت السماعة و بدأت تشعر بالدموع تعود لعينيها مرة أخري و قد انطفأ بصيص الأمل الذي كان قد بدأ يجد طريقه لقلبها .... .
لم تمض خمس دقائق حتي رن الهاتف و كان ياسين الذي قال لها و في صوته لهفة واضحة حاول مداراتها بلهجة مرحة :
أحمد قال لي أنك كنت تريدينني، و ها أنا ذا ...
ظهرت ابتسامة مترددة علي شفتيها انعكست في صوتها و هي تقول :
لا شئ .... كنت ، أريد التحدث معك قليلاً
 - سأنزل لكي حالاً
لكن .. أنت عائد لتوك من الخارج ، لا مشكلة .. نؤجلها لوقت آخر
فقال في حزم :
لا ... خمس دقائق و سأكون عندك
أقفلت السماعة و قد اتسعت الابتسامة علي شفتيها ..
هكذا ياسين ، شهم دائماً ، لم يتخل عنها يوما و يبدو أنه لن يتخلي عنها أبداً ....
ما كادت تمر خمس دقائق حتي سمعت جرس الباب يدق ففتحت و دخل ياسين ، كان طويل القامة ، ذا جسم رشيق و وجه جميل خمري اللون تشكلت ملامحه بسمات الطيبة و الحنان فلا تملك حين تراه سوي أن تحبه . أخذته إلي شرفة المنزل و جلست مطرقة إلي الأرض ، لا تدري كيف تبدأ كلامها فقال ياسين بابتسامة جميلة :
ستظلين صامتة ؟
فقالت في صوت خفيض و بعد تردد :
لا أدري كيف أحكي ... و من أين .. أبدأ
ابتسم مرة أخري و كأنه يحتضنها بعينيه و قال :
ابدئي من حيث تشائين و لكن أخبريني ما بك .... من أحزن عينيك الجميلتين ؟
قالت بعد صمت قصير :
عمر
بلع ريقه في صمت و أخفي تعجبه و قال بصوت هادئ :
و ماذا فعل عمر ؟
حاولت أن تبتسم و لكن ابتسامتها خرجت باهتة علي الرغم منها ، فقال ياسين بصوت حنون :
ما بك يا ح.... يا نور
بلع ياسين ريقه مرة أخري ، فقد كاد يقول لها " ما بك يا حبيبتي " و لكنه أمسك لسانه فقالت نور :
أبداً ... أنا فقط أشعر أنه تغير معي في معاملته
كيف؟
يعني ... لم يعد يسأل علي كما كان من قبل و حتي حين أكلمه ، أشعر كأنه ليس معي ...
سكت ياسين قليلاً و شعر أنه اقترب من معرفة حقيقة شعور نور ناحية عمر ثم قال :
أنت تعلمين ظروف الامتحانات و الآن بالتأكيد مشغول بالنتيجة
فأطرقت إلي الأرض و هي لا تدري كيف تخبره ، كيف تقول له أنها تحب عمر و أنها تشعر انه لم يعد لها ، كيف تخبره ، كيف ... أحست بالنيران المشتعلة داخلها تدفع الدموع إلي عينيها دفعاً ، ثم أحست بياسين يقترب منها في رفق و يرفع وجهها إليه براحته و هو يقول في حنان مشوب بالجزع :
ما بك يا نور ؟!
هذه المرة لم تحتمل ، لم تستطع أن تتماسك مع لهجته الرقيقة الحنونة فانهارت في البكاء و أخذت تحكي له من بين دموعها عن كل ما يقلقها و يزعجها و يورثها التوتر ، عن قلبها و حبها و مشاعرها ، عن عمر و عن كل ما تكنه له من مشاعر و ياسين يشعر أن دموعها حمماً تذيب قلبه في عذاب لا يتحمله بشر ، و كلماتها مطارق تهوي فوق رأسه فتكاد تفقده عقله ....
نار ، نار رهيبة لا تبقي و لا تذر اندلعت في جوفه تكاد تهلكه و تذهب بأنفاسه ، الآن عرف و تأكد ... قلبها ليس له ، و بكلماتها هذه يبدو أنه لن يكون له أبداً ....
و لكنه مع ذلك بلع مرارته و حزنه و أجاد إخفاء ألمه و مسح دموعها بيده ، حتي و لو لم يكن قلبها له فهو لا يحتمل مرأي دموعها  و لا يستطيع أن يتركها في ضيقها و حزنها .... استمع إليها حتي انتهت من كلامها ثم ساد بينهما صمت ثقيل ، فقال بابتسامة بسيطة محاولاً التخفيف من وطأة الموقف :
يا عبيطة ، أهذا أمر يستحق البكاء ...
ابتسمت ابتسامة باهتة فأكمل :
قبل أن أعطيكي رأياً ، من فضلك ابتسمي ابتسامتك الحلوة
ارتسمت ابتسامة صغيرة علي وجهها فقال :
حسنا ... أنا لا أدري و لكن أعتقد أن احساس عمر ناحيتك ممكن يكون مثل احساسك ناحيته ، أما عن انشغاله عنك الأيام الماضية فلا أعتقد أن ذلك مؤشر عن أي شئ  ، لأن فعلاً امتحاناته كانت شغله الشاغل و الآن النتيجة و بعدين .. أكيد هو يفكر في طريقة ليفاتح بها جدو في موضوع سفره لدبي و أنت تعرفين أن جدو لن يوافق بسهولة ...
سكت قليلا و هو يشعر أن كلماته تزيد ناره اشتعالا ثم أكمل :
كذلك الأمور ليست بالسهولة التي تتصورينها ... يعني ، المفروض يفتح الموضوع مع والده قبل أن يخبرك و يمكن كمان يخبر جدو و تكونين آخر من يعلم ...
ابتسمت لكلماته و شعرت أنها تنزل برداً و سلاماً علي قلبها ثم قالت في خفوت :
عندك حق
فابتسم لابتسامتها و لكنه شعر أنه لم يعد قادر علي تحمل الألم الذي يدميه و الضيق الذي يعصر قلبه أطول من ذلك ، فقام من مكانه و هو يقول محذراً :
لا أريد أن أراكي هكذا مرة أخري  ...
ابتسمت في حياء ثم قالت راجية :
جدو علي وصول ، انتظر و نتناول الغداء سويا ...
لن أقدر .. معلش .. أنا أريد أن أنام
فأوصلته نور حتي الباب و ودعته قائلة :
لا أدري ماذا أقول ..... لكن أنت لا تعلم كم ارتحت بحديثي معك ... و كم أنت غال في قلبي
ابتسم ابتسامة حزينة و كادت دموعه تغلبه ثم انصرف .
أما عمر الذي خرج ظهراً فقد كان ذاهب للنادي حيث نظم بعض أصدقائه لقاء يجمع كل الزملاء كتجمع أخير لهم قبل أن تفرقهم دروب الحياة ، و ما إن دخل من باب النادي حتي وجد محمد أقرب أصدقائه إليه أمامه فابتسم ابتسامة واسعة و حياه بانطلاق ، فرد محمد بتحية أكثر انطلاقا ثم مال علي عمر و همس في أذنه   قائلاً :
هي موجودة علي فكرة
فابتسم ابتسامة واثقة و قبل أن تتلاشي ابتسامته كان عمر قد رآها بالفعل ... انجي ... زميلته في الكلية ، ذات وجه أبيض مستدير و شعر أسود قصير ناعم و عينان جميلتان و أنف مستقيم و فم صغير ، قصيرة القامة و لكن علي نحو يزيدها جمالاً ... علي الرغم من وجودهما في نفس الكلية معاً إلا أنه لم ينتبه لها إلا حين اشتركت معه في نشاط من أنشطة الكلية العام الماضي ، فجذبت انتباهه بحيويتها و انطلاقها و شقاوتها و ضحكتها التي لا تفارق شفتيها ... أعجب بها و أحب طريقتها في الإقبال علي الحياة بتفاؤل و تحدي ، و دون أن يدري وجد نفسه غارق في حبها حتي أذنيه ، و بعد تفكير طويل قرر أن يخبرها اليوم بحقيقة شعوره نحوها و يطلب منها الزواج به ... .
لم يلبث أن رآها تقوم من مكانها في خفة ، فأسرع إليها قاطعاً عليها طريقها و هو يقول باسماً :
يا صباح الأنوار
ابتسمت في فرحة مرتبكة و قالت :
-  صباح النور ، لم أعرف أنك قادم
صحيح أني مجنون و لكن ليس لدرجة أن تكوني موجودة في مكان و لا أحضر لأراكي
اصطبغت وجنتيها بحمرة خفيفة من كلماته و لكنها لم تستطع أن تمنع الابتسامة من الارتسام علي شفتيها فقال:
انجي ، أريدك في موضوع هام
دق قلبها في قوة و لكنها أخفت توترها متظاهرة بالجد ، فعقدت حاجبيها و زمت شفتيها و قالت بلهجة مسرحية و بصوت خفيض :
كلي آذان صاغية ، سرك في بيييييييييير
ضحك لطريقتها ثم قال :
طيب ، ممكن نمشي قليلاً
ممكن
و فيما هما يمشيان ، كان عمر يحاول أن يجد الطريقة المثلي ليفاتحها فيما يريد و قد بدا كأن كل ما حضره من كلمات تسربت من عقله و اختفت ... قاطعت أفكاره قائلة :
ها .... فيم كنت تريدني ؟
تتجوزيني يا انجي "
انطلقت من فمه كالقذيفة قبل أن يستطيع أن يوقفها ... أما هي فشعرت بسخونة رهيبة في وجهها من شدة احمراره و توقفت عن المشي و صارت دقات قلبها كقرع الطبول .. نظرت إلي الأرض و شعرت أنها تود لو تختفي بأي طريقة من شدة ما تشعر به من خجل فقال عمر في حرارة :
كنت أعددت في ذهني كلاما كثيرا لأقوله لكي و فكرت في طرق كثيرة لأعبر بها لكي عما يكنه قلبي نحوك ..... و لكني لحظة رأيت عينيك و شعرت بكِ قربي تاهت الكلمات و اختفت كل المعاني و لم يبق في ذهني و في قلبي سوي شعور واحد و كلمة واحدة .... أني أحبك
سكت لحظات شعر فيها بمشاعره تبث فيه قوة لا حدود لها ثم أكمل :
أنا حتي لا أستطيع أن أصف لكي شعوري لأنه .. لأنه شعور لم أشعر بمثله قط ... لم أتذوق أبدا من قبل هذا المزيج الغريب من السعادة و اللذة و الخوف و الأمان و التعب و الراحة ...
ابتسم في حيرة و أكمل :
كل ما أعرفه أني لا أريد و لا أستطيع أن أبعد عيني عنكِ ... كل ما أشعر به هو ارتجافة قلبي لقربك و سعادته لمرآك و ... لهفته عليكي ... و رغبته أن تبقي بجانبه طول العمر .... أتوافقين ؟
شعرت بنفسها تذوب من كلماته و صارت لا تكاد تسمع من فرط علو دقات قلبها و لا هي تستطيع أن ترفع وجهها إليه من شدة خجلها و في نفس الوقت تشعر بنظراته المترقبة الحارة المسلطة عليها ... و بصعوبة بالغة أومأت برأسها ايماءة خفيفة ، فاتسعت عينا عمر من السعادة و قال غير مصدق :
موافقة ؟
عادت تومئ برأسها مرة أخري فاتسعت عيناه في فرحة غير مصدقة و شعر بقلبه يرقص بين ضلوعه منتشياً من شدة سعادته و فيضان المشاعر في صدره و قبل أن يرد جاءت إحدي صديقاتها و أخذت تسلم عليها ثم دون أن يدري وجد أنهما عادا مرة أخري للناس و أصدقائهما . كان يتوق للانفراد بها ليبثها أحلي ما في قلبه من مشاعر و لكن لم تتسن لهما الفرصة للحديث مرة أخري طوال اليوم و إن كانت عيونهما لم تكف عن الكلام طوال الوقت حتي انصرفوا .
و ما إن عاد عمر إلي العمارة حتي صعد إلي نور قبل أن يصعد إلي شقته ففتحت له صباح الباب .
دخل و جلس في الصالون حتي جاءت نور و ما إن رآها حتي قال بابتسامة واسعة :
هنئيني
فقالت في دهشة فرحة :
علام ؟!
نظر إليها و هو يقول :
سأخطب الانسانة التي أحبها
احمرت وجنتاها خجلاً ثم قالت في خفوت مغلف بابتسامة حلوة تعكس فرحتها و اضطرابها :
و من هي ؟
انجي زميلتي في الكلية
نزلت الكلمة علي رأسها كالصاعقة و غاصت ابتسامتها و شعرت بالدنيا تميد تحت قدميها و قالت بصوت مبحوح لم تدر كيف خرج من بين شفتيها :
مبروك
لم ينتبه عمر لما أصابها من شدة فرحته و قال :
- الله يبارك فيكِ ، أنت أول من فكرت أن أخبرها قبل أي شخص آخر لابد أن أذهب الآن و لكني سأعود إليكي في المساء لأخبرك بكل التفاصيل.  ثم انصرف و ظلت هي واقفة مكانها و كأنها تجمدت، ثم تذكرت كلماته فأحست أنها لا تكاد تري أمامها ثم وقعت مغشياً عليها.




الكاتبه || هـنـد حنفى ||

اترك خلفك كل شئ .. و اسمح لخيالك أن يتنفس .. اغلق عينيك .. تجاهل صخب الحياة .. احلم و ابدع و ابتكر .. و عش "هندي" .. من عالم آخر .. أنا هندية .. هند حنفي