لقمة هنية







حجرة صغيرة .. ضيقة .. فوق السطوح ...
لكن لطيفة .. و مريحة ..
أثاثها قليل .. ما بين سرير و كنبة احتلوا معظم المساحة .. و حمام صغير بني في جانب ..
لها شباك بعرض الحائط .. تتسلل منه الشمس علي استحياء و يسكنه الهواء المنعش طيلة أيام السنة .. 
و أمام مرآة صغيرة في ركن الحجرة .. وقفت "بهية"
يتيمة هي .. بلا أب و لا أم ..
ليس لها في الدنيا إلا زوجها الذي سحرته عيون بهية و طلتها .. فتزوجها و آواها في هذا العش الصغير ..
كانت حقا بهية .. 
ذات بشرة بيضاء نقية و عينان واسعتان و شفتين رقيقتين .. 
وجه صاف خال من اي مساحيق .. لا يزينه إلا براءتها التي تصل إلي حد السذاجة ..
لها ضحكة تبهج القلب الحزين .. و ليديها حنو يتبدي علي كل ما حولها ..
مشطت شعرها و ربطته حتي لا يطيُره الهواء ..
نظرت إلي الساعة المعلقة علي الحائط ..
سيأتي زوجها الآن ..
لحظات و سمعت وقع خطواته علي السلم ..
استقبلته مبتهجة و كأنما تستقبل فيه كل دنياها ..
لفة صغيرة في يده .. بها سمكة واحدة .. بعض البصل الأخضر و الجرجير ..
بخجل في نفسه أعطاها لها و هو يقول ..
" أنا عارف وعدتك بأكلة سمك من اللي بتحبيه .. بس مكفاش اللي معايا غير أجيب واحدة"
ابتسمت له في طفولة جميلة و هي تتناولها من يده قائلة ..
"متحرمش منك يا سيد الناس"
طبلية صغيرة أخرجتها علي السطح في الخارج و وضعت في جانب منها وسادة مريحة ليجلس عليها زوجها بدلا من الأرض ..
خرج من الحجرة بعد أن بدل ملابسه ..
بلونه الاسمر الجميل و ابتساماته جلس علي الدكة و تجاهل الطبلية و بطنه الخاوية قائلا ..
"أنا مش جعان .. بالهنا و الشفا"
" لا مش ممكن .. والله ما أكل لقمة إلا أما تاكل معايا"
كان يريد لها ان تستمتع وحدها بالسمكة بعد ايام طويلة من التقشف في الطعام ..
فهو يوم يعمل .. و عشرة يبحث عن عمل ..
ظلت تصر عليه حتي جلس ..
و استسلم قائلا ..
"طيب نقسمها سوا"
رفضت هي و بابتسامة وضعت السمكة في طبق واحد و قالت ..
"ناكلها سوا .."
 مد يده و بدأ يأكل ..
و أخذت تسليه بحكايات سمعتها من هنا و هناك ..
و هي تضع لقمة بلقمة في فمها الصغير ..
و اندمج هو معها في الحديث حتي انتهي الطعام و اختفت السمكة ..
فقامت حاملة البقايا و دخلت الحجرة ..
و فتحت يدها فكان بداخلها لقمة عيش ..
كانت لقمة واحدة ابقتها في يدها طوال الوقت و تظاهرت انها تأكل معه ..
كانت تعلم كم هو جائع و متعب ...
لم تكن تحب السمك .. لكن كان يحبه .. و لذلك طلبته ..
و تظاهرت بالأكل معه حتي يأكلها وحده دون ان يدري ..
فلم يكن أحب إليها في الدنيا منه .. و لا أكرم علي نفسها من راحته ..
و لم تملك شيئا تهديه له من حبها .. سوي أكلة هنيئة بعد طول شقاء ..
انتبهت انه ينتظرها ..
فمن طبق صغير تناولت قطعة جبن من البارحة و أكلتها ..
و بعد دقائق ..
خرجت إليه و في يدها كوبين من الشاي ..
و فيما هو جالس باستمتاع في الهواء الطلق قال لها ..
"عجبتك السمكة ..؟"
ابتسمت بحب ..
"كانت لقمة هنية يا حبيبي .."  






الكاتبه || هـنـد حنفى ||

اترك خلفك كل شئ .. و اسمح لخيالك أن يتنفس .. اغلق عينيك .. تجاهل صخب الحياة .. احلم و ابدع و ابتكر .. و عش "هندي" .. من عالم آخر .. أنا هندية .. هند حنفي