On fire





غريبة شوية إني أسّمي قصة قصيرة باللغة العربية بعنوان بالانجليزي :) بس لما تقروا القصة هتحسوا إن دا أنسب اسم ..

أتمنى تستمتعوا بيها و مستنية آرائكم :) 

"She's just a girl and she's on fire♫♪♫
Hotter than a fantasy, lonely like a highway
She's living in a world and it's on fire
Filled with catastrophe, but she knows she can fly away♫♪♫ "

نزعت السماعات من أذنيها على هزة من يد أمها التي كانت تقول ساخطة ..
" يا بنتي انتي مش هتبطلي الهبابات اللي بتحطيها في ودانك دي .. هتطرشي بعد كدا"

هزت كتفيها و أوقفت الأغنية و انتظرت حتى انتهت أمها من القاء اللوم على هذا البتاع الذي يصدر أصواتا عالية و يجعلها تنعزل عن العالم .. ابتسامة جاهدت في اخفائها ..

ألا تدرك حقا أن أكثر ما تحبه في هذا البتاع أنه يعزلها عن هذا العالم و يسمح لها أن تعيش و لو لبعض الوقت في عالمها الخاص .. عالم حيث كل أحلامها تتحقق .. حيث تمتلك مكانا خاصا لا يشابهها فيه أحد و لا يشاركها فيه إلا من تختارهم بإرادتهم الحرة ..

عالم حيث تتأخر ليلا لأنها كانت تتجول تحت الأمطار بشعر مبلول يجعل شكلها مثيرا بينما تسير وحيدة في الليل .. عالم حيث تمتطي دراجة نارية تقودها بيد واحدة بتمكن و بسرعة عالية بينما تمرق بين السيارات كالسهم و لا أحد يمكنه أن يلحقها .. عالم حيث تعود إلى بيت ملك لها وحدها ملئ بالأغاني "الشيطانية" – كما تسميها أمها – و تسمعها بصوت عالي بدون حاجة للسماعات ..

اختطفها من أفكارها صوت أمها و هى تكرر على مسامعها كيف ستقوم بتنظيف حجرتها و كيف يجب أن يبدو دولابها .. ثم وجوب أن تقوم بنشر الغسيل بعد ذلك .. و تترك هذا البتاع و تلتفت لمذاكرتها قليلا ..

"حاضر"

كلمة مقتضبة أنهت بها اللا حوار الذي دار منذ لحظات .. أعادت السماعات إلى أذنيها بينما تقوم بتنظيف حجرتها بالقدر اللازم لكى يبدو عليها "الروقان" برغم أنها تحبها فوضوية جميلة مبعثرة الأركان .. 

" Looks like a girl, but she's a flame♫♪♫
So bright, she can burn your eyes
Better look the other way
You can try but you'll never forget her name
She's on top of the world
♫♪♫ Hottest of the hottest girls"

تراقصت على نغمات الأغنية القريبة إلى قلبها و هى تتنقل في حجرتها بخفة و "دلع" .. تناولت بمنتهى العناية كراستها الخاصة .. تصفحتها بابتسامة سعيدة .. بعض اليوميات و التمنيات المستقبلية .. رسومات بالقلم الرصاص .. تأمل أن تصبح يوما ما فنانة عظيمة الشأن .. تسافر العالم لتعرض وحاتها في معارض عالمية بينما تلتقي بموسيقيين و ممثلين و رسامين مثلها .. 

تاهت في أحلامها مجددا .. ثم فجأة اختطفت الكراسة من يدها ..
أخوها الأصغر بسنة اختطفها و أخذ يجري ضاحكا .. 
قفزت وراءه في غيظ شديد و قد احمر وجهها من الغضب ..

"هات الكراسة دي .. بقولك هاتهااااااا .. أنا قولتلك ميت مرة بكررره الهزار دا .."

"يا مااااماااا" 

أخذ يجري صارخا و هو يضحك حتى اختبئ وراء ظهر أمه مخرجا لها لسانه ..
دقت الأرض بقدميها في غيظ و هى تحاول أن تطوله بيداها .. بينما يتهرب و هو يضحك على محاولاتها اليائسة ..

تقول أمهما بحزم ..
"بلاش لعب عيال .. اديها الكراسة بتاعتها"
يخرج لسانه مجددا "لاء" 

تشعر أن الدموع تكاد تطفر من عينيها على أغلى ما في حياتها و هو يتراقص بين يدي أخوها ..
لكنها تتماسك .. لا تريده أن يشمت فيها ..
تمسك به أمها و هى تخبره أن يخرج و إياها من المطبخ فورا ..

تستغل لحظة التشتيت فتخطف الكراسة من يده ..
ينتبه لها في اللحظة الأخيرة .. فتحصل على الكراسة .. بصفحة "مقطوعة"

تنظر إلى الصفحة المقطوعة في يده في جزع .. 
صفحة على وجهها كتابة .. و على ظهرها "رسمة" ..
تصيح به في غضب " يا غبي .. يا غبي "
يغضب هو الآخر و يكاد يصيح فيها .. فتقاطعه أمهما ..

"بنت عيب كدا .. اعتذري لأخوكي .. و انت يا زفت قلت ميت مرة متغلسش على أختك" 

نظرت لأمها غير مصدقة .. فعلا ! هذا كل ما يساويه الأمر .. لقد تقطعت صفحة كاملة من نفسها .. من روحها التي أودعتها في الكراسة .. و هذا أفضل ما يمكنها أن تقوله ..

أقفلت فمها من شدة الغيظ .. و عادت إلى حجرتها و هى تضرب الأرض بقدميها في عصبية ..
تغلق الباب بعنف .. تضع السماعات في أذنيها .. و تترك لدموعها مجالا أن تنساب .. بينما تترك هذا العالم إلى عالمها الخاص .. 

" Everybody stares, as she goes by
'Cause they can see the flame that's in her eyes
Watch her when she's lighting up the night
Nobody knows that she's a lonely girl
And it's a lonely world"

بينوكيو





/ نسمة .. غنية عن التعريف طبعا"

هكذا قدمها بابتسامة عريضة و صوته الجهوري الأجش لرئيس مجلس إدارة واحدة من أكبر الشركات العالمية العملاقة، ردت بابتسامة مرسومة على شفتيها و هى تصافحه بترحاب، ثم تتخذ مجلسها على الطاولة الأنيقة في المطعم المطل على النيل مباشرة.
غداء عمل آخر كواحد من مئات .. محامية قديرة تشهد لها الأوساط بالحنكة و الذكاء .. خبيرة لا يشق لها غبار برغم أنها لازالت في أوائل الثلاثينات من عمرها .. جميلة ذات شعر طويل يصل إلى خصرها .. عينان واسعتان ... و فم دقيق رقيق لا يتناسب مع الكلمات القانونية الكبيرة التي يطلق سهامها أحيانا ..

بدأ عميلها الملياردير يعرض مشكلته بهدوء بينما مازال يثني عليها ذلك الواسطة بينهما بكلمة بين الحين و الآخر ..
كم تتمنى لو تسكته قليلا .. !
استمعت في هدوء مصغي .. و هى تلقي بتعليقات مناسبة مختصرة ..

انقطع كلامهما بضعة دقائق بينما النادل الأنيق يحضر ما طلبوه منذ قليل ..
سهمت للحظات خلف طفلة بريئة ذات شعر في صفرة الشمس و خدود محمرة و ضحكة رائعة .. للحظة تساءلت .. هل كبرت حقا !
انصرف النادل فعادت لتركيزها مع الرجل حتى انتهى .. أخذت ملاحظاتها .. تحدثت معه قليلا .. بعض كلمات المجاملة .. ثم انصرف كل منهما إلى طريقه .

ركبت سيارتها .. لم تنطلق مباشرة .. أراحت رأسها للوراء في ارهاق .. بإمكانها أن تريح وجهها قليلا من قناع الابتسام الدائم .. لم تنم منذ البارحة .. الارق ما عاد يترك لها ليلة هانئة ... التفكير أصبح مهمة مرهقة لا تنتهي .. مهما حاولت التخلص منها .. يبدو كما لو أن شخصا آخر أصبح يعيش معها في مخها و يمثل كل ليلة فيلم "لا انام" !

ارتسمت ابتسامة صغيرة على شفتيها من التشبيه .. فتذكرت ضحكة الصغيرة في المطعم .. ترى متى كانت آخر مرة ضحكت فيها من قلبها مثل الأطفال .. متى كانت آخر مرة فكت حبس الطفلة التي تسكنها و سمحت لها ان ترتكب كل الحماقات التي تشتهيها ..
متى كانت آخر مرة نامت فيها بعمق الأطفال و نالت بعضا من حلاوة أحلامهم .. أو براءة فرحتهم العارمة بقطعة حلوى و شغفهم الدافئ باكتشاف الحياة ..
أطرقت للأرض في صمت ثم همست ..
"الحمد لله"
تعلم أنها نالت نجاح يتمناه الجميع .. لكن ما فائدة النجاح حقا إن لم نكن سعداء ..
تهربت من إجابة السؤال بأن أدارت مفتاح السيارة منطلقة إلى المكتب ..
-------

مرت ساعات اليوم سريعا ، و بنهاية النهار رن تليفونها من صديقتها المفضلة ..
ردت على عجالة ... فوجدت صوتها الحماسي يقول ..
"حبيبتيييي .. مساءووو .. شو أخبارك يا حلوة"
لم تملك أن تمنع ابتسامتها العريضة بالرغم من تعبها لصوت صديقتها المحببة و هى تتصنع اللهجة اللبنانية كما تعودتا ..
ردت عليها بمثلها بابتسامة مرهقة ..
" و الله مو منيحة يا حلوة "
" ليش هيك حبيبتيي "
" والله عندي اشيا كتيرة لازم خلصها الليلة "
ضحكت صديقتها و قد تخلت عن اللهجة اللبنانية قائلة " و انتي من امتى مكانش عندك حجات كتيرة تخلصيها"
و كأنما أطلقت سهما اصاب وترا حساسا في أعماقها .. سهمت و هى تهمس .. كأنما لنفسها .. "من كتير"
لم تنتبه صديقتها و هى تكمل .. "عندي ليكي خبر حلو .. فرقة الباليه اللي حضرتيلهم من سنتين و عجبوكي أوي .. هيعملوا عرض بكرا و حجزتلنا تذكرتين :D  "
انتابتها دفقة سعادة و هى تقول .. "فعلا!"
ثم انطفأت السعادة بينما تذكرت في احباط .. "لكن بكره .. عندي اجتماع مهم .."
ساد الصمت بينهما قليلا .. ثم قالت صديقتها ..
"انتي وحشتيني .. مش وحشتيني عايزة أشوفك .. لكن وحشتيني انتي انتي .. صاحبتي الحقيقية .. وحشتني .. أوي أوي .. ارجعي لو سمحتي و كفاية غيبة .."
صمتت .. ثم بصوت مبتسم حزين .. "حاضر :)"
"الحفلة بكره الساعة 6 .. سلام"

أغلقت الهاتف .. كان هذا آخر ما ينقصها!
صار لها فترة .. تفكر في الأمر .. لم تعد تعرف نفسها .. لم تعد تقوم بأى شئ تحبه .. فقدت حسها الفكاهي الذي اشتهرت به زمانا .. لم يعد وراءها سوى الشهرة عن ذكاءها و عقليتها الألمعية .. صار تعريفها .. المحامية المشهورة .. دكتورة فلانة .. الغنية عن التعريف ..
أى تعريف ! هل هذا هو التعريف الذي يجسد حقيقتها ..
ما فائدة النجاح إذا لم أكن سعيدة ..
لكن كيف يمكنني أن اضحي بكل ما وصلت له ..؟
انبرى قلبها في سخرية قائلا .. "فعلا كيف تضحين بكل التعاسة التي تحملتيها لتصلي إلى التعاسة المثالية وسط اوراقك المهمة .."
اندفع عقلها مدافعا .. لا .. الحقيقة أنك لا تعرفين كيف تجدين السعادة .. انت خائفة من أن تتركي النجاح .. لأنك لا تعرفين ما ستجدين دونه ..

رد القلب بكلمته الأخيرة .. لا بل أنتي خائفة ان تفقدي مظهر السعادة التي يحسدك الناس عليها .. تفضلين أن تعيشي عروس خشبية مثل بينوكيو بابتسامة مرسومة و وجه ملون بدلا من أن تعودي بشرية تواجه الحياة بكل مصاعبها و تستمتع بمباهجها..
أنهت الصراع بقرص بنادول لهذا الصداع الذي لا ينتهي ..
------
صباح معتاد بعينان تخبئ سوادهما بأدوات مكياجها الغالية، راجعت جدولها سريعا .. ثم تناولت شنطتها مسرعة و نزلت من البيت ..
كان الجو رائع .. لسعات هواء باردة و شمس مشرقة .. كل ما ينقصه جلسة هادئة في مكان مفتوح و كوب قهوة عميق الرائحة ..
لم تستطع أن تبتهج و هى تعلم أنها في طريقها إلى مكتبها المغلق ..
توقفت في الاشارة .. الطريق مازال مزدحم .. زفرت في ملل ..
"امتى الاجازة تيجي و نرتاح من زحمة المدارس"

سهمت قليلا ثم تناهى إلى مسامعها حديث محتدم بين طفلة في العاشرة من عمرها و أمها في السيارة المجاورة .. و الطفلة تقول في اصرار ..
"أنا عايزة اروح مدرسة تانية يا مامي .. أنا مش مبسوطة في المدرسة دي"
" يا حبيبتي كل المدارس زى بعض"
" لاء .. المدرسة دي وحشة "
" هتروحي مدرسة تانية و تقولي نفس الكلام .. ايه اللي عرفك انك هتتبسطي في المدرسة الجديدة"
" معرفش .. لكن أنا عارفة كويس إني مش مبسوطة في المدرسة دي"

انقطع عنها خيط الكلام حين انفتحت الاشارة .. ظلت مشدوهة في مكانها بعض الشئ .. حتى انتبهت لكلاكسات السيارات وراءها فتحركت ..
بمنتهى البساطة .. أجابتها ذات العشرة الأعوام عن السؤال الذي لم تستطع أن تجيب عنه سنواتها الثلاثون ...
وصلت مكتبها و هى لا زالت تفكر بمنتهى العمق ..
مر الوقت سريعا كالعادة .. حتى حان ميعاد الاجتماع فانطلقت ..
-------
كانت صديقتها في ذات الوقت تنتظرها على باب الأوبرا على أمل أن تغير رأيها و تأتي ..
دقت الساعة السادسة .. السادسة و الربع .. السادسة و النصف ..
" آسفة إني اتأخرت"
تفاجأت بها وراءها .. فاحتضنتها في سعادة .. "كفاية انك جيتي"
أخذتها من يدها و دخلتا معا ..
جلسا في الكرسين المخصصين لهما .. و بدأ العرض الموسيقي ..
مضى الوقت بهما قليلا .. ثم همست لها صديقتها ..

"بس اشمعنى .. ؟"

"اكتشفت إني مش عارفة أنا عايزة ايه في اللحظة دي .. لكن عارفة كويس "أنا مش عايزة ايه"  "