الفصل الثامن: البلد





في صباح اليوم التالي كانت السيارة تنطلق بهم يقودها باسم بجانبه الجد  ، و في الخلف نور و ياسين اللذان أشاعا جوا من المرح طوال الطريق انعكس في ابتسامة واسعة شكلت ملامح الجد من اثر ضحكات حفيدته التي طال اشتياقه لسماع ضحكتها و الاحساس بفرحتها ، بينما ظل باسم صامتا حتي وصلوا .

 صعد كل منهم إلي غرفته ليستريح من عناء السفر بينما ذهب هو لغرفة المكتب ، و حين فتح بابها وجد       " أمين "  داخلها ، فلاح قصير القامة ، ذا عينان صغيرتان يشع منهما خبث يختبئ خلف ابتسامته الواسعة و ترحيبه الحار بباسم .

كان أمين يمثل الساعد الأيمن لباسم في البلد ، يشرف علي الأرض و الفلاحين العاملين بها ، ينقل له كل ما يدور من أخبار ، صغيرها و كبيرها ، و يتولي تنفيذ كل ما يُعهد إليه من مهام سواء كان يعلم بها الجد أوخُفيت عنه .

جاوب باسم ترحيب أمين بابتسامة باردة ، فقد كان متعكر المزاج من مصاحبة نور و ياسين لهم ، ثم بدأ أمين كعادته في سرد كل ما في جعبته من أخبار و باسم نصف مستمع حتي قال أمين في تردد :

- لكن يا باشا هناك أخبار ليست جيدة

انتبه باسم مشيرا  له أن يكمل ، فقال :

- هناك تاجر جديد في السوق و كان يريد أن يشتري محصول البرتقال هذا العام و هو عارض أعلي سعر حتي الآن.. و لكن ... لكنه مصر علي الاتفاق مع الحاج مباشرة حين علم بنزوله

قطب باسم حاجبيه و هو يفكر أنه كان يعول كثيرا علي بيعة البرتقال هذا العام ، لن يجعل تاجر غشيم يفسد له خططه ، ثم قال :

- لا ، أخبره أني أنا من أتولي جميع أمور الأرض و أنه إذا أراد الاتفاق فسيكون ذلك معي

ثم أكمل محذرا :

- و بالطبع لن أنبه عليك ، ألا تجعل الأمر يصل إلي علم الحاج

فرد أمين بابتسامة متملقة :

- طبعا ، طبعا .. أنت تعرفني يا باشا ، لست بحاجة لتنبه عليّ

ظل باسم صامت قليلا ، ثم قال :

- دعه يقابلني غدا صباحا في الأرض

.... إنه لا يريد أن يترك أي شئ للصدفة ... فأومأ أمين برأسه قائلا :

- تحت أمرك يا باشا

ثم قام باسم من مكانه خارجا من الحجرة ، فعلم أمين أن تلك إشارة الانصراف له ، فانصرف  ....

 و قبل أن يصعد باسم إلي حجرته نادي علي سعدية و أخبرها ألا يوقظوه علي الغداء لأنه يريد أن ينام ،

صعد السلم بخطوات ثابتة و قد بدا عليه الضيق ....

 ألا يكفيه أن نور جاءت إلي البلد بعد أن كانت قررت عدم الذهاب و خفيف الدم ياسين هذا الذي ظل يحدثها طوال الطريق ، حتي يجد أيضاً خبراً سخيفا في انتظاره ...

دخل حجرته ، و أخذ يبدل ملابسه بتثاقل ، ثم استلقي علي السرير في تعب و هو يفكر ... لقد أصبحت كل الأوضاع لا تطاق بالنسبة له ، لم يعد يحتمل اضطراره للاختلاط بهم طول الوقت ، و اضطراره لاستشارة جده في كل كبيرة و صغيرة ...

لقد استقر تماما و اتخذ قراره ، سوف يقوم بانشاء شركة تحمل اسمه هو ، لو أراد جده له أن يستمر في إدارة هذه الشركة بالرغم من ذلك ، سوف يفكر في الأمر وقتها حسب ما ستسمح به الظروف  ...

 و لكن .... إذا لم يستطع الحصول علي نصيبه الخاص من بيعة البرتقال كما يأمل ، فذلك يعني تأجيل مشروعه لفترة ليست بالقصيرة ، و هو لن يسمح بذلك ، لقد كد كثيرا من أجل هذا الأمر و هو لم يعد يستطيع الاستمرار أكثر من ذلك ...

سيقابل هذا التاجر بنفسه غدا ، إذا تبين أنه يعرض بالفعل أحسن سعر ، سوف يُتم معه الأمر ... أما غير ذلك ، فسيرفض و يُخبر جده بالأمر بطريقته حتي يقطع علي ذلك الرجل أي طريق للوصول لجده .

تقلب في السرير و هو يشعر بالتعب في كل أعضائه ،  حاول أن يتجاهل كل الأفكار السيئة و يركز في فكرة واحدة سعيدة ، أنه سيغادر غدا في المساء ... و ظل هكذا تتنازعه الأفكار حتي راح في سبات عميق .

ظل جميع أهل البيت نائمون لفترة طويلة و كانت نور أول من استيقظ  منهم قبيل المغرب بقليل ، قامت من سريرها في كسل و اتجهت ناحية النافذة المغلقة و فتحتها علي مصراعيها  ، فتوهجت الغرفة بلون برتقالي خفيف من أثر أشعة الشمس التي أوشكت علي الرحيل ، عبثت نسمات الهواء بشعرها المنساب في خفة ...

فأخذت نفسا عميقا ملأت به صدرها ثم أخرجته ببطء و كأنها تغسل نفسها من كل ما قد علق بها من حزن و  هم .... ، أخذت تراقب الطيور التي تدور في السماء و كأنها تنادي بعضها البعض حتي انتظمت في خط رفيع بدا كأن النسمات تلاعبه يمنة و يسرة إلي أن اختفي عن ناظريها ، فابتسمت مستمتعة بالجو الجميل و المنظر الرائع لاتصال زرقة السماء بخضرة المزارع الممتدة أمامها حتي غابت الشمس و بدأ الضوء يخفت قليلا قليلا مذعنا لدخول ظلمة الليل .

 أفاقت من تأملاتها علي صوت حركة في البيت فانتبهت لتأخر الوقت فذهبت لتغتسل و تبدل ثيابها .

 بعد قليل ،  نزلت للأسفل فلمحت فاطمة تروح و تجئ في الصالة ، فنادتها قائلة بابتسامة حلوة :

- ماذا تفعلون يا فاطمة ؟

- نعد الطعام أنا و سعدية ، فالحاج استيقظ منذ قليل

فكرت نور لثانية ، ثم قالت فجأة و هي تسحب فاطمة من يدها :

- هيا سأساعدكم

وقفت فاطمة في مكانها و قالت في دهشة :

- تساعدينا ؟؟!

ضحكت نور من تعبيرات وجهها و ردت :

- و ما يدهشك في ذلك ؟

لم ترد فاطمة ، فابتسمت نور وجذبتها تجاه المطبخ قائلة :

- هيا ورائي

وقفت نور في المطبخ تقطع الخضار و تصنع السلطة ، و إن شعرت أن سعدية و فاطمة تستعجبان وجودها معهما و تنظران لبعضهما من آن لآخر دون أن تتكلما ...

ابتسمت في نفسها و قررت أن تفتح هي معهما حوارا لتذيب هذه الثلوج بينها و بينهم ، فقالت لسعدية مبتسمة :

- انت متجوزة يا سعدية ؟

ردت في تردد :

- نعم ....

فقالت نور تستحثها علي الكلام :

- لديك أولاد ؟

- عندي بنتان و ولد

فأخذت نور تسألها عن أسمائهم و أعمارهم و أحوالهم ، و تشعب الحوار بينهم و بدأت فاطمة تشترك في الحديث ، فساد جو مرح لطيف في المطبخ و قد سعدت نور أنها استطاعت أن تجعلهم يتحدثون معها ببساطة و دون تكلف ، ثم سألت فاطمة :

- و أنت يا فاطمة ، تبدين صغيرة و لم تتزوجي بعد ؟

هزت فاطمة رأسها إيجابا و ابتسمت ابتسامة حزينة ، لم تدر نور سر انزعاجها و ظهر التساؤل في عينيها ، فقالت سعدية :

- هي كانت .. مخطوبة و فسخت

فقالت نور :

- هذا أمر عادي ، لكن لم يا فاطمة ؟

فاندفعت فاطمة قائلة و قد عقدت حاجبيها في غيظ :

- كان حمار

حاولت نور أن تكتم ضحكتها أمام وجه فاطمة الجاد ، لكنها لم تستطع .. إجابتها غير المتوقعة تماما و تعابير وجهها جعلت نور تستغرق في الضحك حتي أضحكت سعدية و فاطمة ... و بعد أن التقطت أنفاسها ، قالت لفاطمة و هي تغمز بعينها :

- لم كان حمار إذن ؟

سكتت فاطمة قليلا ، ثم قالت :

- كان يريد خادمة ، تطبخ و تكنس و تغسل ، ترعي البهائم و تساعده في الغيط ... و أنا لا أريد ذلك

فعلقت سعدية و هي تضحك :

- تريد أن تتزوج باشا ، و يجئ لها بخادمة تطبخ و تكنس و تغسل و ...

قاطعتها فاطمة قائلة :

- أنا لا أريد ذلك ، ... كل ما أريده ألا أتزوج فلاح يعاملني كخادمة

سكتت ...  ففتحت نور فمها لترد و لكنها عادت تكمل :

- أنا تعبت من أعمال الفلاحة و البهائم و الأرض ... أنا أريد أن أسكن في المدينة و أتزوج رجل يعاملني كزوجة له يشاركها أفراحه و أحزانه ، و عندئذ سأطبخ و أكنس و أغسل و سأكون أكثر من خادمة له طالما هو لا يعتبرني كذلك

تأثرت نور بكلماتها التي شعرت بها منطلقة من صميم قلبها ، فربتت عليها في حنان و قالت بابتسامة جميلة :

- سهلة يا فاطمة ، إن شاء الله ربنا يرزقك ما تتمنينه

فردت فاطمة في سخرية و ضيق :

- سهلة ! بالعكس ، فتاة فقيرة ، جاهلة ، من قرية صغيرة ... من أين لها أن تجد فرصة للزواج إلا من فلاح !

شخص كهذا لا ريب سيبحث عن فتاة علي الأقل متعلمة ، و أنا لا أعرف حتي كيف أكتب اسمي ....

طرأت لنور فكرة مفاجئة ، فقالت :

- ما رأيك أعلمك القراءة و الكتابة يا فاطمة ؟

لمعت عينا فاطمة بالفرح و قالت في سعادة ، غير مصدقة :

- أتتكلمين جد !!

ردت نور بسرعة :

- طبعاً

أخذت فاطمة تحتضنها ، فقالت نور في خجل :

- هذا أمر بسيط ...

ظلت فاطمة تدعو لها من كل قلبها ، و ابتسمت سعدية ابتسامة واسعة و هي ترنو إلي نور في حنان بعينين ملئهما الامتنان ، ثم سمعوا صوت الجد ينادي علي فاطمة .. فأسرعوا بإنهاء الطعام .

اندهش الجد عندما رأي نور تخرج من المطبخ حاملة أطباق الطعام ، لم يلبث أن ابتسم حين وجدها تضحك مداعبة فاطمة و تنتقل في المكان بمرح .

لم يمض قليل حتي نزل ياسين و جلسوا جميعا علي السفرة ، أخذوا يتحدثون أثناء تناول الطعام حتي انتهوا.

 ثم قام الجد و ذهب إلي حجرة المكتب ، أما نور و ياسين ، فخرجا إلي الشرفة و جلسا فيها ...

هبت عليهما نسمات باردة تنبئ بقرب دخول الشتاء ، و إن كان ذلك لم يثنهما  عن البقاء فيها ، فالليل قد خلع سحرا غريبا علي الشرفة ، بظلمته التي لفت السماء من كل جانب و إن لمعت أرجائه بنجوم صغيرة بدت كقطع ألماس تناثرت بلا نظام .... و القمر توسطها مرسلا ضوء فضي جميل أنار الشرفة حولهما ... و نسمات الهواء أخذت تعبث بأحواض الفل و الياسمين المحيطة بالشرفة فأرسلت شذي جميل زاد الأجواء سحرا و فتنة ....

أخذت نور نفسا عميقا ، ثم أخرجته ببطء و هي تقول :

- رائحة الفل و الياسمين رائعة .....

رد ياسين بصوت حالم :

- فعلا ...

ساد الصمت بينهما قليلا ، و هما مستغرقان بكل حواسهما في الاستمتاع بالجو الجميل ، ثم قال الاثنان في وقت واحد :

" تعرف "       " تعرفي "

فضحكا ، ثم أشار لها ياسين بيده و هو يبتسم قائلا :

- أنت أولا

فابتسمت ابتسامة واسعة و هي تقول :

- سوف أعلم فاطمة القراءة و الكتابة

قال ياسين في سعادة :

- دا خبر رائع

كانت سعادته أكبر أن خطته بدأت تؤتي ثمارها بهذه السرعة ، من أول يوم و نور وجدت ما يشغلها و يملأ فراغها ، و قبل أن يكمل كلامه رن تليفونه ، كانت دينا المتصلة ، فرد قائلا :

- توتة حبيبتي

لم تستطع دينا أن تمنع الابتسامة التي ارتسمت علي شفتيها ، ثم قالت بلهجة مرحة :

- ما أخبار الاجازة يا باشمهندس ؟

- تمام الحمد لله ، أنت ما أخبارك ؟

- أنا في اسكندرية ، ما رأيك تأتي و تُمضي معنا يومان ؟

- معلش ، إن شاء الله مرة أخري ، أصل ... أنا في البلد

سكتت تماما ، فقال ياسين :

- نور بتسلم عليكِ جداً

 " نور "

شعرت بالغيرة تدفع بالدموع إلي عينيها دفعا ، تجمد لسانها و كأنها فقدت القدرة علي النطق ، ثم قالت بصوت مخنوق :

- الله يسلمها ... ياسين ، أنا مضطرة أقفل الآن ، أصل ماما .. تنادي عليّ

شعر ياسين بشئ من الغرابة من كونها تنهي المكالمة هكذا فجأة و لكنه لم يملك إلا أن يقول :

- ماشي ، سلام يا توتة

ظل صامتا للحظات بعد أن أقفل و هو لا يفهم ما اعتراها ، لم ذهبت هكذا فجأة ، و لم شعر بتغير في صوتها ... انتبهت نور لصمته و قبل أن تتكلم ، دخلت فاطمة حاملة صينية عليها أكواب الشاي ..

تناول كل منهما كوبه ، ثم اندمج ياسين في الحديث مع نور محاولا تجاهل التساؤلات التي دارت بخاطره .

أما دينا ، فأغلقت التليفون و ظلت جالسة مكانها علي الكرسي و عيناها ملئي بدموع القهر ....

" غبية .... "

هكذا صاحت فيها نفسها .... " لم اتصلتِ و قد نهيتك عن ذلك .. "

سالت دمعة علي وجنتها .. " ظل قلبك يلح عليك راجيا الاتصال ، رافعا راية العشق و الشوق حتي أطعتيه ... و أين هو منك الآن ... ؟

معها ... مع نور ... و أنت ِ .. أنتِ هنا وحدك ...

لا تفكرين إلا فيه ... و لا يفكر إلا فيها ... "

و مع كل كلمة تتردد داخلها يغرق وجهها بدموع ساخنة ، قامت من مكانها و أخذت تدور في الحجرة كالنمرة الجريحة ، و هي تشعر بضيق رهيب يطبق علي صدرها ... لم تستطع أن تحتمل جو الحجرة الخانق ، فألقت بشال علي كتفها ثم خرجت و جلست علي الشاطئ أمام الشاليه ...

البحر يبدو في امتداده و اتصاله بسواد السماء كأنه لا نهاية له ، تماما كالضيق المسيطر عليها ....

و هدير الموج الصاخب كالانفعالات الثائرة في صدرها .... و سكون العالم حولها كالوحدة و الوحشة في قلبها .... دموعها الساخنة تحرق وجهها مختلطة بطعم الملح علي شفتيها من تطاير رذاذ البحر عليها ...

أين أنت مني يا من لم يشغل قلبي  يوما سوي بك .... أين أنت مني يا من سكنت بين الضلوع  ... و اتخذت مجلسا دائما لا تبرحه ...

شعرت بحركة بجانب قدمها ، فرأت سرطان صغير خرج من حفرة لا تبعد عنها كثيرا ، و أخذ يتفقد صدفة علي الرمال ثم عاد لحفرته مرة أخري و كأنه لم يجد ما يبحث عنه ... و كأنه لم يخرج من مكمنه إلا ليهيج لديها سابق الذكريات و يزيد من كربها .. و يشعل نارا علي نارها .... تذكرت كيف جمع لها الصدف يوما و صنعه عقدا لم يفارق أبدا جيدها  ....

لم يكن ياسين لها مجرد حبيب ... و إنما كان ... و مازال ... كل ما في الحياة ... و خير ما في الحياة ... حتي العاشرة من عمره كان يسكن معهم في نفس الشارع قبل أن ينتقل للعمارة التي بناها جده ، و هي وحيدة أبويها ، فكان دائما ما يهتم بها و يدللها و يلعب معها و يعتني بها .. منذ نشأت و هي تري فيه خير الأخ و الصديق و الحبيب ... عرفته أكثر مما عرفه أي إنسان .. فهمت كل خباياه و اطلعت علي نفسه ربما أكثر مما هو نفسه يعرف ... فلا إنسان و لا ... إنسانة ... أدري به منها... إنها تحفظ ثنايا فمه حين يبتسم ... و تقطيبة حاجبيه حين يغضب ... تستطيع من دون أن يتكلم أن تفهم حاله .. و تدرك سره ... و نبرة صوته معها دائما ما تفضحه ....

و نبرة صوته الآن كانت سعيدة ..... سعيدة كأقصي ما تكون السعادة ....

كادت أنفاسها تنقطع من شدة البكاء المر الذي يمزق القلب أشلاء ... تذكرت كل من مروا عليها ... كثيرون هم من حاولوا التقرب منها و الفوز بقلبها .. و لكنهم لم يدركوا أن قلبها لم يكن لها أبدا ... لم تملكه يوما ... دائما ملكه ... للأبد ملكه ... و الآن ....

ها هي ... هنا ... وحدها ...  و هو هناك ... معها

حاولت مرارا في الأيام الماضية أن تصور الأمر علي غير حقيقته ، و تقنع نفسها أنها أساءت تفسير ما رأت ، و أن الأمر لا يعدو أن يكون صداقة و مودة بينه و بين نور باعتبارها ابنة خاله ، و كونها يتيمة الأبوين ....

و لكن من تحاول أن تخدع ... صداقة و مودة !! ...

 زفرت في سخرية ... بل هو حب ... حب عميق متأصلة جذوره في قلبه بلا شك ...

لحظات عديدة تتوارد إلي ذهنها تباعا عن كل مرة تحدث فيها عن نور أو إليها .. أمامها .. كيف لم تنتبه لرنة الحب في صوته ... و نظرة الحنان في عينيه .... كيف كان يتكلم عنها أو ينطق باسمها ... أشياء صغيرة يبدو أنها كانت تتغافل عنها عمدا و هي أدري الناس به ... و كأن قلبها يشعر بذلك ، و يخفي عنها مخافة الصدمة في حب حياتها ... و الآن انكشف كل شئ و اتضحت الأمور ...

قلبها ... ملكه هو ...  و لكن قلبه ... ملكها هي

دفنت وجهها بين يديها و كأنها تحاول أن تهرب من أفكارها ... تمتمت من بين دموعها الغزيرة ...

" يالعذابي و حيرتي .... يالعذابي .. "

أين أهرب و هو في كل مكان ... في كل تفصيلة صغيرة حولي ... عشقه للبحر .. و امتداده في اتصاله بالسماء ..... الصدفة علي الرمال .. هدير الموج ... الشاليه و ذكريات الصيف الجميلة ....

إني لأكاد أراه في ملامحي .. كم أخبرني أنه يحب شكلي حين أفرق شعري و أضفره بعناية ... كم امتدح جمالي ... بل إني لأحفظ ما يحب من ملابسي و ما يكره ...

أين أذهب ... أين أذهب ... أكاد أجن ... و إن تركت كل التفاصيل ورائي ... فهو في نفسي ... هو نفسي ... هو حياتي .... لا مهرب منه سوي بالهرب من الحياة ... ألا فلأكتم أنفسي  حتي أتخلص من حبه ، و إن كنت أشك أن روحي ستظل معلقة في السماء تدعو الله أن يجعله لي ....

حمم الدموع لا تنقطع ،  روحها تتمزق و قلبها يلفظ أنفاسه الأخيرة ، و نفسها لا ترحم ...

أنقذها مما هي فيه ، صوت أمها تنادي عليها ، فأسرعت تمسح الدموع من علي وجهها في سرعة ، أخذت نفسا عميقا تهدئ به ثائرة نفسها ، ثم مشت في خطوات بطيئة و كأنها تكاد مع كل خطوة تسقط علي الأرض و هي تجر قدميها جرا علي الرمال حتي وصلت الشاليه ، و دخلت حجرتها ......

ظلت واقفة قليلا في صمت و كأنها تتمني لو من كان كل ما فكرت فيه مجرد كابوس و ذهب ... و لكن أدركت أنه واقع ... حقيقي ... مرير ... و كأنها صدمت من جديد ... فانهارت فجأة علي السرير منفجرة في البكاء .




الكاتبه || هـنـد حنفى ||

اترك خلفك كل شئ .. و اسمح لخيالك أن يتنفس .. اغلق عينيك .. تجاهل صخب الحياة .. احلم و ابدع و ابتكر .. و عش "هندي" .. من عالم آخر .. أنا هندية .. هند حنفي