On fire





غريبة شوية إني أسّمي قصة قصيرة باللغة العربية بعنوان بالانجليزي :) بس لما تقروا القصة هتحسوا إن دا أنسب اسم ..

أتمنى تستمتعوا بيها و مستنية آرائكم :) 

"She's just a girl and she's on fire♫♪♫
Hotter than a fantasy, lonely like a highway
She's living in a world and it's on fire
Filled with catastrophe, but she knows she can fly away♫♪♫ "

نزعت السماعات من أذنيها على هزة من يد أمها التي كانت تقول ساخطة ..
" يا بنتي انتي مش هتبطلي الهبابات اللي بتحطيها في ودانك دي .. هتطرشي بعد كدا"

هزت كتفيها و أوقفت الأغنية و انتظرت حتى انتهت أمها من القاء اللوم على هذا البتاع الذي يصدر أصواتا عالية و يجعلها تنعزل عن العالم .. ابتسامة جاهدت في اخفائها ..

ألا تدرك حقا أن أكثر ما تحبه في هذا البتاع أنه يعزلها عن هذا العالم و يسمح لها أن تعيش و لو لبعض الوقت في عالمها الخاص .. عالم حيث كل أحلامها تتحقق .. حيث تمتلك مكانا خاصا لا يشابهها فيه أحد و لا يشاركها فيه إلا من تختارهم بإرادتهم الحرة ..

عالم حيث تتأخر ليلا لأنها كانت تتجول تحت الأمطار بشعر مبلول يجعل شكلها مثيرا بينما تسير وحيدة في الليل .. عالم حيث تمتطي دراجة نارية تقودها بيد واحدة بتمكن و بسرعة عالية بينما تمرق بين السيارات كالسهم و لا أحد يمكنه أن يلحقها .. عالم حيث تعود إلى بيت ملك لها وحدها ملئ بالأغاني "الشيطانية" – كما تسميها أمها – و تسمعها بصوت عالي بدون حاجة للسماعات ..

اختطفها من أفكارها صوت أمها و هى تكرر على مسامعها كيف ستقوم بتنظيف حجرتها و كيف يجب أن يبدو دولابها .. ثم وجوب أن تقوم بنشر الغسيل بعد ذلك .. و تترك هذا البتاع و تلتفت لمذاكرتها قليلا ..

"حاضر"

كلمة مقتضبة أنهت بها اللا حوار الذي دار منذ لحظات .. أعادت السماعات إلى أذنيها بينما تقوم بتنظيف حجرتها بالقدر اللازم لكى يبدو عليها "الروقان" برغم أنها تحبها فوضوية جميلة مبعثرة الأركان .. 

" Looks like a girl, but she's a flame♫♪♫
So bright, she can burn your eyes
Better look the other way
You can try but you'll never forget her name
She's on top of the world
♫♪♫ Hottest of the hottest girls"

تراقصت على نغمات الأغنية القريبة إلى قلبها و هى تتنقل في حجرتها بخفة و "دلع" .. تناولت بمنتهى العناية كراستها الخاصة .. تصفحتها بابتسامة سعيدة .. بعض اليوميات و التمنيات المستقبلية .. رسومات بالقلم الرصاص .. تأمل أن تصبح يوما ما فنانة عظيمة الشأن .. تسافر العالم لتعرض وحاتها في معارض عالمية بينما تلتقي بموسيقيين و ممثلين و رسامين مثلها .. 

تاهت في أحلامها مجددا .. ثم فجأة اختطفت الكراسة من يدها ..
أخوها الأصغر بسنة اختطفها و أخذ يجري ضاحكا .. 
قفزت وراءه في غيظ شديد و قد احمر وجهها من الغضب ..

"هات الكراسة دي .. بقولك هاتهااااااا .. أنا قولتلك ميت مرة بكررره الهزار دا .."

"يا مااااماااا" 

أخذ يجري صارخا و هو يضحك حتى اختبئ وراء ظهر أمه مخرجا لها لسانه ..
دقت الأرض بقدميها في غيظ و هى تحاول أن تطوله بيداها .. بينما يتهرب و هو يضحك على محاولاتها اليائسة ..

تقول أمهما بحزم ..
"بلاش لعب عيال .. اديها الكراسة بتاعتها"
يخرج لسانه مجددا "لاء" 

تشعر أن الدموع تكاد تطفر من عينيها على أغلى ما في حياتها و هو يتراقص بين يدي أخوها ..
لكنها تتماسك .. لا تريده أن يشمت فيها ..
تمسك به أمها و هى تخبره أن يخرج و إياها من المطبخ فورا ..

تستغل لحظة التشتيت فتخطف الكراسة من يده ..
ينتبه لها في اللحظة الأخيرة .. فتحصل على الكراسة .. بصفحة "مقطوعة"

تنظر إلى الصفحة المقطوعة في يده في جزع .. 
صفحة على وجهها كتابة .. و على ظهرها "رسمة" ..
تصيح به في غضب " يا غبي .. يا غبي "
يغضب هو الآخر و يكاد يصيح فيها .. فتقاطعه أمهما ..

"بنت عيب كدا .. اعتذري لأخوكي .. و انت يا زفت قلت ميت مرة متغلسش على أختك" 

نظرت لأمها غير مصدقة .. فعلا ! هذا كل ما يساويه الأمر .. لقد تقطعت صفحة كاملة من نفسها .. من روحها التي أودعتها في الكراسة .. و هذا أفضل ما يمكنها أن تقوله ..

أقفلت فمها من شدة الغيظ .. و عادت إلى حجرتها و هى تضرب الأرض بقدميها في عصبية ..
تغلق الباب بعنف .. تضع السماعات في أذنيها .. و تترك لدموعها مجالا أن تنساب .. بينما تترك هذا العالم إلى عالمها الخاص .. 

" Everybody stares, as she goes by
'Cause they can see the flame that's in her eyes
Watch her when she's lighting up the night
Nobody knows that she's a lonely girl
And it's a lonely world"

بينوكيو





/ نسمة .. غنية عن التعريف طبعا"

هكذا قدمها بابتسامة عريضة و صوته الجهوري الأجش لرئيس مجلس إدارة واحدة من أكبر الشركات العالمية العملاقة، ردت بابتسامة مرسومة على شفتيها و هى تصافحه بترحاب، ثم تتخذ مجلسها على الطاولة الأنيقة في المطعم المطل على النيل مباشرة.
غداء عمل آخر كواحد من مئات .. محامية قديرة تشهد لها الأوساط بالحنكة و الذكاء .. خبيرة لا يشق لها غبار برغم أنها لازالت في أوائل الثلاثينات من عمرها .. جميلة ذات شعر طويل يصل إلى خصرها .. عينان واسعتان ... و فم دقيق رقيق لا يتناسب مع الكلمات القانونية الكبيرة التي يطلق سهامها أحيانا ..

بدأ عميلها الملياردير يعرض مشكلته بهدوء بينما مازال يثني عليها ذلك الواسطة بينهما بكلمة بين الحين و الآخر ..
كم تتمنى لو تسكته قليلا .. !
استمعت في هدوء مصغي .. و هى تلقي بتعليقات مناسبة مختصرة ..

انقطع كلامهما بضعة دقائق بينما النادل الأنيق يحضر ما طلبوه منذ قليل ..
سهمت للحظات خلف طفلة بريئة ذات شعر في صفرة الشمس و خدود محمرة و ضحكة رائعة .. للحظة تساءلت .. هل كبرت حقا !
انصرف النادل فعادت لتركيزها مع الرجل حتى انتهى .. أخذت ملاحظاتها .. تحدثت معه قليلا .. بعض كلمات المجاملة .. ثم انصرف كل منهما إلى طريقه .

ركبت سيارتها .. لم تنطلق مباشرة .. أراحت رأسها للوراء في ارهاق .. بإمكانها أن تريح وجهها قليلا من قناع الابتسام الدائم .. لم تنم منذ البارحة .. الارق ما عاد يترك لها ليلة هانئة ... التفكير أصبح مهمة مرهقة لا تنتهي .. مهما حاولت التخلص منها .. يبدو كما لو أن شخصا آخر أصبح يعيش معها في مخها و يمثل كل ليلة فيلم "لا انام" !

ارتسمت ابتسامة صغيرة على شفتيها من التشبيه .. فتذكرت ضحكة الصغيرة في المطعم .. ترى متى كانت آخر مرة ضحكت فيها من قلبها مثل الأطفال .. متى كانت آخر مرة فكت حبس الطفلة التي تسكنها و سمحت لها ان ترتكب كل الحماقات التي تشتهيها ..
متى كانت آخر مرة نامت فيها بعمق الأطفال و نالت بعضا من حلاوة أحلامهم .. أو براءة فرحتهم العارمة بقطعة حلوى و شغفهم الدافئ باكتشاف الحياة ..
أطرقت للأرض في صمت ثم همست ..
"الحمد لله"
تعلم أنها نالت نجاح يتمناه الجميع .. لكن ما فائدة النجاح حقا إن لم نكن سعداء ..
تهربت من إجابة السؤال بأن أدارت مفتاح السيارة منطلقة إلى المكتب ..
-------

مرت ساعات اليوم سريعا ، و بنهاية النهار رن تليفونها من صديقتها المفضلة ..
ردت على عجالة ... فوجدت صوتها الحماسي يقول ..
"حبيبتيييي .. مساءووو .. شو أخبارك يا حلوة"
لم تملك أن تمنع ابتسامتها العريضة بالرغم من تعبها لصوت صديقتها المحببة و هى تتصنع اللهجة اللبنانية كما تعودتا ..
ردت عليها بمثلها بابتسامة مرهقة ..
" و الله مو منيحة يا حلوة "
" ليش هيك حبيبتيي "
" والله عندي اشيا كتيرة لازم خلصها الليلة "
ضحكت صديقتها و قد تخلت عن اللهجة اللبنانية قائلة " و انتي من امتى مكانش عندك حجات كتيرة تخلصيها"
و كأنما أطلقت سهما اصاب وترا حساسا في أعماقها .. سهمت و هى تهمس .. كأنما لنفسها .. "من كتير"
لم تنتبه صديقتها و هى تكمل .. "عندي ليكي خبر حلو .. فرقة الباليه اللي حضرتيلهم من سنتين و عجبوكي أوي .. هيعملوا عرض بكرا و حجزتلنا تذكرتين :D  "
انتابتها دفقة سعادة و هى تقول .. "فعلا!"
ثم انطفأت السعادة بينما تذكرت في احباط .. "لكن بكره .. عندي اجتماع مهم .."
ساد الصمت بينهما قليلا .. ثم قالت صديقتها ..
"انتي وحشتيني .. مش وحشتيني عايزة أشوفك .. لكن وحشتيني انتي انتي .. صاحبتي الحقيقية .. وحشتني .. أوي أوي .. ارجعي لو سمحتي و كفاية غيبة .."
صمتت .. ثم بصوت مبتسم حزين .. "حاضر :)"
"الحفلة بكره الساعة 6 .. سلام"

أغلقت الهاتف .. كان هذا آخر ما ينقصها!
صار لها فترة .. تفكر في الأمر .. لم تعد تعرف نفسها .. لم تعد تقوم بأى شئ تحبه .. فقدت حسها الفكاهي الذي اشتهرت به زمانا .. لم يعد وراءها سوى الشهرة عن ذكاءها و عقليتها الألمعية .. صار تعريفها .. المحامية المشهورة .. دكتورة فلانة .. الغنية عن التعريف ..
أى تعريف ! هل هذا هو التعريف الذي يجسد حقيقتها ..
ما فائدة النجاح إذا لم أكن سعيدة ..
لكن كيف يمكنني أن اضحي بكل ما وصلت له ..؟
انبرى قلبها في سخرية قائلا .. "فعلا كيف تضحين بكل التعاسة التي تحملتيها لتصلي إلى التعاسة المثالية وسط اوراقك المهمة .."
اندفع عقلها مدافعا .. لا .. الحقيقة أنك لا تعرفين كيف تجدين السعادة .. انت خائفة من أن تتركي النجاح .. لأنك لا تعرفين ما ستجدين دونه ..

رد القلب بكلمته الأخيرة .. لا بل أنتي خائفة ان تفقدي مظهر السعادة التي يحسدك الناس عليها .. تفضلين أن تعيشي عروس خشبية مثل بينوكيو بابتسامة مرسومة و وجه ملون بدلا من أن تعودي بشرية تواجه الحياة بكل مصاعبها و تستمتع بمباهجها..
أنهت الصراع بقرص بنادول لهذا الصداع الذي لا ينتهي ..
------
صباح معتاد بعينان تخبئ سوادهما بأدوات مكياجها الغالية، راجعت جدولها سريعا .. ثم تناولت شنطتها مسرعة و نزلت من البيت ..
كان الجو رائع .. لسعات هواء باردة و شمس مشرقة .. كل ما ينقصه جلسة هادئة في مكان مفتوح و كوب قهوة عميق الرائحة ..
لم تستطع أن تبتهج و هى تعلم أنها في طريقها إلى مكتبها المغلق ..
توقفت في الاشارة .. الطريق مازال مزدحم .. زفرت في ملل ..
"امتى الاجازة تيجي و نرتاح من زحمة المدارس"

سهمت قليلا ثم تناهى إلى مسامعها حديث محتدم بين طفلة في العاشرة من عمرها و أمها في السيارة المجاورة .. و الطفلة تقول في اصرار ..
"أنا عايزة اروح مدرسة تانية يا مامي .. أنا مش مبسوطة في المدرسة دي"
" يا حبيبتي كل المدارس زى بعض"
" لاء .. المدرسة دي وحشة "
" هتروحي مدرسة تانية و تقولي نفس الكلام .. ايه اللي عرفك انك هتتبسطي في المدرسة الجديدة"
" معرفش .. لكن أنا عارفة كويس إني مش مبسوطة في المدرسة دي"

انقطع عنها خيط الكلام حين انفتحت الاشارة .. ظلت مشدوهة في مكانها بعض الشئ .. حتى انتبهت لكلاكسات السيارات وراءها فتحركت ..
بمنتهى البساطة .. أجابتها ذات العشرة الأعوام عن السؤال الذي لم تستطع أن تجيب عنه سنواتها الثلاثون ...
وصلت مكتبها و هى لا زالت تفكر بمنتهى العمق ..
مر الوقت سريعا كالعادة .. حتى حان ميعاد الاجتماع فانطلقت ..
-------
كانت صديقتها في ذات الوقت تنتظرها على باب الأوبرا على أمل أن تغير رأيها و تأتي ..
دقت الساعة السادسة .. السادسة و الربع .. السادسة و النصف ..
" آسفة إني اتأخرت"
تفاجأت بها وراءها .. فاحتضنتها في سعادة .. "كفاية انك جيتي"
أخذتها من يدها و دخلتا معا ..
جلسا في الكرسين المخصصين لهما .. و بدأ العرض الموسيقي ..
مضى الوقت بهما قليلا .. ثم همست لها صديقتها ..

"بس اشمعنى .. ؟"

"اكتشفت إني مش عارفة أنا عايزة ايه في اللحظة دي .. لكن عارفة كويس "أنا مش عايزة ايه"  "

اعتبرني مجنونة !







 

فكرة طافت ببالي .. لماذا نعتبر "المواعدة" بمفهومها الأجنبي مخالفة للاسلام ..

أرجوك اخفض هذا الحاجب المستنكر أولا و دعنا نتحدث بهدوء .. لا بأس أن تظن بي الجنون حتي تصل معي إلي آخر كلامي ..

يبدو أني جذبت انتباهك بما يكفي لتكمل حتي السطر الثالث حتي الآن ههههه .. حسنا من فضلك اترك خارج بابي أفكار المجتمع التي تربينا عنها عن نظرية أن كل فتاة هي ذات الرداء الاحمر البريئة الهبلة التي لا تعلم شيئا عن الحياة و التي سيسرقها الذئب (الذي هو انت عزيزي الرجل) لكي يلتهمها في منزل جدتها العجوزة ..

آه .. و من فضلك ارمي خارج نافذتي بكل قوتك كل أفكارك عن الفتاة التي هي أشبه بقطعة حلوي يجب أن نغطيها من الذباب بأن نغلفها في غلاف بلاستيكي و نضعها في كرة كريستالية رائعة "في البيت" .. فليس أكثر إهانة من اختصار كيان و شخصية و أفكار و أحلام و طموحات فتاة في قطعة حلوي .. فضلا عن إني صدقا لا أدري من أقنعك انه من الجميل أن تشبه نفسك بالذباب ..

حسنا إذن .. دوما كنت أعتقد أن الفاصل الحقيقي بين الخطأ و الصواب يكمن في محاولة تبين ما أراد لنا الله أن نسير عليه .. لأن الله هو الحق و كل ما دونه ظن يحمل في طياته احتمال خطأه أو صوابه ..

اتفقنا .. اسرح بخيالك معي لأقصاه و تخيل المشهد الآتي ..

أحمد زميل مني في العمل .. يتعاملان يوميا لمدة تصل إلي ثمان ساعات .. بينهما انسجام حقيقي في الأفكار و هدوء و انسيابية جميلة تحيط بهما حين يتحدثان .. يبدو ان كلا منهما يخفي بباطنه اعجابا بالآخر ..

أحمد طلب من مني أن يخرجا سويا ليتحدثا قليلا .. مني أخبرت أباها و أمها عن أحمد و أنها ذاهبة لمقابلته في مكان عام ..

أحمد و مني جلسا في مقهي جميل يطل علي النيل عصرا بينما الشمس قد خفتت حدتها و لفتهما بأشعة ذهبية خفيفة .. تحدثا طويلا عن الفن و السياسة و الحب و الزواج و الأطفال و المستقبل الذي يحلم به كل منهما لنفسه .. تحدثا عن الأشياء الصغيرة التي يحبانها .. عن الأكلات التي يفضلانها .. و الهوايات الاحب إلي نفسيهما ..

مني عادت إلي المنزل بوجه مشرق و جلست تحكي مع أباها و أمها عن مقابلتها مع أحمد (أرجع و اقولك تاني كانوا قاعدين في مكان عام .. و هو أمر يحدث يوميا في كل مكان حولك .. ما هو محرم شرعا ان يتقابلا في خلوة يأمنا فيها من اطلاع الغير عليهما)

المهم .. أوم إيه .. أحمد شعر بروحه تتفتح لمني .. و شعرت مني بأنها ربما وجدت شريك حياتها ..

مني و أحمد قررا أنهما يريدان التعرف إلي بعضهما البعض أكثر من ذلك .. أحمد خطب مني .. (في مجتمع مثالي كالذي نتخيله الزواج ليس حمّام لكي يخاف أحمد من أن الدخول إليه ليس كالخروج منه)

أحمد و مني ظلا مخطوبين لفترة كافية حتي وقعا في الحب تماما .. ثم في بيت صغير تزوجا بدون أية تكاليف زائدة لا لزوم لها ..

أحمد و مني عاشا أجمل قصة حب و تزوجا ...

سعيد و سعدية مرا بنفس التجربة لكن بعدما تزوجا اكتشفا أنهما غير مناسبين لبعضهما البعض .. فانفصلا بالطلاق ..

كلا منهما عاش حياة طبيعية بعدها و قابلا اشخاص آخرين .. لأن الطلاق أمر عادي تماما و ليس سُبة علي جبين أيا منهما ( و خاصة سعدية) ..

و هكذا صار الحب أمرا طبيعيا معترف به و ليس سرا خطيرا او قنبلة مفخخة نخفيها في حشايانا .. و صارت الخطبة ثم الزواج طريقا طبيعيا متفقا مع رسمه الله لنا .. و إن فشل الزواج لا قدر الله .. فالطلاق ليس الكارثة البشعة و إنما انفصال طبيعي بدلا من القلوب المحطمة في الخفاء من علاقات الحب التي لا تكتمل ...

خلصت الحدوتة ..

انتظر من فضلك قبل أن تهاجمني أو تصفق لي ..

تذكر انه لن يمكنك ان تمنع الحب حتي و لو أقفلت علي الرجال في مدينة و النساء في مدينة أخري .. لأن حينها سيصبح الأمر الوحيد الذي يفكر فيه كلا منهما هو الطرف الآخر و كيف تبدو المدينة الأخرى من الداخل ..

انظر حولك ... تري قصص الحب في كل مكان .. كل ما في الأمر .. أننا نحب سرا و نتبادل المكاتيب و الرسائل خلسة .. نجعل الفتاة تعيش في ظلمة و عذاب أنها تفعل شيئا دون علم اهلها برغم ايمانها بطهارة حبها .. و نجعل الشاب يتسلل ليسرق من الزمن خلسة تمكنه من لقاء حبيبته .. هذا فضلا عن انه في الظلام تجد الذئاب الحقيقية مرتعا لها لتلعب بقلوب الفتيات اللاتي لو وجدن الامان الكافي لتعترف بالحب أمام أهلها (الحب الذي هو احساس ملائكي مرهف كفيل بأن يحيلك في لحظات إلي مخلوق أشبه بالملائكة منه بالبشر) لما قبلن ابدا بالظلمة طريقا ..

إننا بالفعل نعيش سويا في هذا المجتمع .. الرجل هو الأب و الأخ و "الصديق" .. هو ليس مجرد ذئب يبحث عن اشباع حاجاته .. و الفتاة هي أنثي لها كيان و عقل و شخصية و قلب يهفو إلي الحب .. و ليست قطعة حلوة أو مجرد جسد فتّان ...

رجاء أخير من فضلك .. هلا تقرأ هذا المقال مرة ثانية متجاهلا تماما عادات المجتمع التي هي أشد رسوخا في نفسك من الجبال .. و تنظر بعين البحث عن الحق .. و تذكر قول رسولك الكريم عليه أفضل الصلاة و السلام ..

 " لم ير للمتحابين مثل النكاح" ..

ثم احكم .. هل أنا مجنونة .. أم أنّا نعيش في مجتمع مجنون !

موسم الضيق







لا أدري لماذا تبدو هذه الأيام سوداء علي الجميع .. أو علي الأقل رمادية أكثر من اللازم ..

الكل يعاني من أزمة ما .. في أمر ما .. لا يجد له حل أو تصريف ..
لا أزعم أني قادرة علي اعطاء نصائح و أنا غارقة حتي أذني في أكبر أزمة مرت بحياتي علي الاطلاق ..

لكن يمكنني أن اقول بمنتهي الثقة أن .. الله موجود
الله موجود .. فأنت لست وحدك .. دموعك لن تذهب سدى .. و دعاءك لا يتبخر في الفضاء ..
الله موجود .. أنت لست وحيدا في عتمة الليل .. و وسادتك ليست الوحيدة التي تلتهب بسخونة أنفاسك الضائقة من شدة الأزمة و زفرات الاستغاثة بالأمل .. يا رب متي الفرج .. عين الله لا تغفل عنك ..

الله موجود .. ما أسوأ ما قد يحدث لك؟
أعلم .. أعلم جيدا أن هناك أمور سيئة للغاية تخشاها .. و أنك خائف حتي الحياة .. فالموت حقا لا تخشاه .. الله هناك .. عند الموت .. الموت لا يخيف بل هو اضطرارنا لمواجهة الحياة ..

هل تجد كلماتي صدي في نفسك ..
لا أعطيك نصائح .. أنا لست مكانك .. و أنت لست مكاني ..
مهما زعمت أني أهتم لأمرك و أشعر بك .. أنا صادقة بما يكفي لكي لا أحاول أن أنصحك أو أحكم عليك ..

لكني حقا أقول لك .. لا بأس أن تخطئ .. لا بأس أن تشعر بالخوف .. الشجاعة الحقيقية ليست في ألا تشعر بالخوف .. بل في أن تعترف بالخوف ..
لا بأس أن تفشل .. ابذل أقصي ما تستطيع أن تقدمه في هذه الحياة .. فالله لن يحاسبك إلا علي قدر طاقة نفسك .. أنت لا تملك النتائج .. وحدها بيد الله .. أنت لا تملك سوي السعي بصدق ...

الله موجود .. الأرض لن تتوقف عن الدوران لأنك حزين .. و الشمس لن تتكاسل عن الاشراق احتراما لحداد روحك .. الحياة لا تحترم أحزاننا و لا تنكس الأشجار أوراقها تعاطفا معنا ..

لن أخبرك بسذاجة بوستات الفايسبوك .. ابتسم الحياة بانتظارك .. ابتهج و تفاءل .. القادم أحلي .. غدا أجمل ..
لا .. الحياة قاسية .. و أنت لا تملك الابتسام بهذه السهولة .. لكنك يجب أن تقف .. لا تحني ظهرك كالعبيد في مواجهة سياط الأزمة .. ارفع قامتك .. افتح شباكك و دع نور الشمس يدخل إلي غرفتك القاتمة .. يجب أن تكون قويا .. يجب أن تعلم أن هذا الألم لا يعبث .. هناك حكمة يجب أن تتعلمها .. و كلما أغفلت ذلك .. كلما طالت الأزمة .. تقبّل ما لا تستطيع تغييره الآن و اسع لامتلاك القوة التي تمكنك من تغييره غدا ..

غدا أفضل عن صدق .. لكن الغد الأفضل لن يأتيك و أنت جالس مكانك .. سيأتيك في الوقت الذي تنتظره الأقل .. حين تدمى قدماك علي الطريق و أنت تتعلم كيف تصير أكثر صلابة ..

و تذكر .. الله موجود .. الله هو الخير .. فلا يأتي منه إلا كل خير ...
الضيق موسم .. و الفرج موسم ..

بعض الصبر في موسم الضيق .. و كثير من الشكر في موسم الفرج ..
كله بيعدي  ..

أنا حرة






كانت تمشي في الشارع محتضنة حقيبتها في نشوة ..

و صدي أغنية منير و صوته النوبي العذب لازال يتردد في أذنها بفرحة ...

"بس احلويت أوي يا سمارة .. لما اسمريت

لفيت الشارع و الحارة .. علي زي نقاوتك فين ما لقيت ..

يا .. يا سمارة"

ضحكت في سرها و هي تعلم أن منير غني هذه الأغنية في الحقيقة للبلح .. لكنها الآن تعلم جيدا أنها المقصودة بها ..

هي السمارة المقصودة ...

ظلت صباحات كثيرة تستمتع لهذه الأغنية من شرفة الجيران ..

بالتحديد من شرفة جارهم القريبة من منزلها منذ كان في العشرين من عمره و كانت لازالت في أولي سنواتها بالجامعة ..

كانت معرفتها به سطحية من زيارات الأعياد و المناسبات و ما شابه .. شاب لطيف أكبر منها بعامين .. حلو القسمات تبدو عليه الطيبة ..

لم تكن تعرف عنه الكثير حتي دار الحديث بينهما يوما حول الأغاني فوجدا نفسيهما بغير ترتيب مجتمعين علي حبهما للكينج .. ضحكا كثيرا يومها متفاجئين من حبهما لنفس الأغاني ذاتها .. و معرفتهما بأغاني قديمة مجهولة للكثيرين ..

لاتدري كيف اشتعل يومها وهج جديد في نفسها و لمحته في عينيه .. تقابلا بعدها عدة مرات في الشارع و في الجامعة ..

و في أحد الصباحات استيقظت علي صوت منير عالي من كاسيت قريب ..
"بس احلويت أوي يا سمارة .. لما اسمريت أوي يا سمارة "

فتحت شرفتها فوجدته يقف في الشرفة المقابلة مبتسما في مرح ..

ردت بابتسامة خجولة و عادت إلي الداخل .. ظل هو واقفا حتي رآها تخرج من باب العمارة .. و بعد أن ذهبت نزل وراءها و ذهب إلي كليتها و بمنتهي البساطة ما إن رآها حتي قال لها بابتسامة عريضة ..

"أنا هتجوزك علي فكرة"

خجلت و احمرت و ارتبكت و تلعثمت .. و من بين خجلها قالت له "انت مجنون"

"انتِ بس قولي آه و لو قلتي لاء هفضل وراكي لحد متقولي آه"

ضحكت و لم تأخذ كلامه محمل الجد .. و إن كان في قلبها فرحت .. فرحت فعلا فرحة لم تشعر بها أبدا من قبل ..

و في اليوم التالي استيقظت علي صوت منير الجميل ينساب مجددا ..

"لفيت الشارع و الحارة .. علي زي نقاوتك فين ما لقيت ..

يا .. يا سمارة"

لم تخرج إلي الشرفة هذه المرة و إنما راقبته من خلف الستار و هي تضحك في سرها .. و ذهبت إلي كليتها فوجدته بانتظارها مجددا ..

" انت تاني!"
ضحك قائلا ..
"قولي موافقة بقي يا سمارة"
حاولت أن تخفي ابتسامتها و هي تقول في خفوت ..
"هفكر"

 يوما بعد يوم .. ظل منير يصاحبها في استيقاظها حتي صارت الأغنية طقسا مقدسا لا يبتهج يومها دونه ..

و أخيرا .. وافقت ..

مرت عليهما سنتان و منير صلة الوصل بينهما بأغنيته الصباحية المبهجة حتي تخرّج حبيبها أخيرا و وجد عمل مناسب في شركة صغيرة ..

اتسعت ابتسامة علي شفتيها .. اليوم .. اليوم سيكلّم والدها في التليفون ..

كانت وصلت البيت و هي تدندن في سعادة بصوت خافت " بس احلويت أوي يا سمارة لما اسمريت"

دخلت بمفتاحها تخفي ابتسامتها بقناع من الجد لئلا تفضحها سعادتها قبل ان يعلنوها هم بخبر تقدمه ..

لكن في الحقيقة البيت كان هادئا جدا .. لا أثر لأي خبر من أي نوع ..

جلسوا إلي مائدة الغداء بنفس الأحاديث المعتادة .. لا جديد .. معقولة لم يكّلم والدها ؟؟  تري ماذا حدث .. ؟؟

انطفأت فرحتها و لم تأكل شيئا ..

لم يحدث أي شئ في باقي اليوم و هي تتحرق لمعرفة ماذا حدث ..

ظلت تتقلب طوال الليل في سهاد مؤرق .. و استيقظت في اليوم التالي بهالات سوداء حول عينيها و صمت مطبق لا تسمع فيه حسا لأغنية منير ..

ارتدت ملابسها في إحباط و ذهبت إلي كليتها ..

و هناك وجدته في انتظارها .. و عرفت كل شئ ..

لقد كلّم والدها بالفعل .. لكنه ببساطة رفضه .. رفضه دون أن يقابله .. و السبب كلمات متفرقة من والدها الدكتور عن المركز الاجتماعي و انت زي ابني لكن انا بدور لبنتي علي عريس يقدر بأمن لها مستقبلها و يكون من وسطنا الاجتماعي و الوظيفي و انت لسه صغير .. مستعجل علي إيه و ضحكة خرقاء .. بمنتهي الهدوء رفض دون أن يخبرها حتي ..!!

سكتت تماما كأن علي رأسها الطير فعلا .. لم تستطع أن تصدق أن أباها فعل ذلك حقا .. هكذا بمنتهي البساطة يقرر و ينفذ قراره في موضوع لا يتعلق بأي شخص سواها ...

شعرت بغضب و احباط شديد .. أفاقت علي صوت حبيبها و هو يقول بعد تردد و سكوت ..

"أنا .. متأكد إني بحبك .. انت انسانة رائعة .. انت فعلا نصي التاني اللي بيكملني و معنديش استعداد أكمل من غيره ..

خليني أكلم باباكي تاني .."

شعرت بصدق كلماته يفتح أبواب قلبها علي آخره و ايقنت أنه حبها الأول و الأخير ..

أومأت برأسها موافقة ..

كلّمه مرة ثانية و ثالثة .. دون فائدة .. فلم تملك حل غير أن قالت ..

"أنا هكلّمه في الموضوع"

عادت إلي المنزل بهّم لا تدري لماذا كُتب عليها أن تحمله .. هم ثقيل لا تدري فعلا لماذا يجب أن تتحمله .. كان يجب الآن ان تكون عروسة سعيدة و مبتهجة و الكل يهنأها .. تري هل كُتب عليها أن تحارب في أبسط حقوقها .. في اختيار زوجها .. !!

وصلت المنزل و انتظرت حتي المساء و فاتحت أباها في الموضوع بهدوء..

و لدهشتها لم يناقشها حتي .. و إنما انفعل كثيرا من أن جارها كلمها من الأساس .. و بنبرة سلطوية متكبرة اخبرها ان الموضوع انتهي و أنه شخص غير مناسب لها ..

ارتفع حاجبيها في انزعاج و هي تقول .. أنا من سأتزوج .. و أنا من أحدد إذا كان مناسب أم لا ..

ازداد انفعاله أكثر و هو يكيل لها السباب لأنها تتحدي قراره و تخالف أمره ... و عدم تصديقه قلة أدبها و جرأتها ..

لم تنفعل .. في الحقيقة كانت دهشتها أكبر من أي غضب مما دفعها لتقول ببساطة .. أنا حرة .. قرار الزواج قرار مصيري اقبل فيه النصيحة و لا أقبل فيه التحكم ..

استشاط غضبا .. و هدد و توعد .. فانفعلت قائلة .. أنا حرة .. دا حقي إني أختار زوجي ..

و فجأة وجدت كفه يهوي علي وجهها و هو يصرخ فيها أنها لم تعرف التربية و أنها تتحداه و خسارة فيها سنين عمره التي اضاعها في تربيتها و أنها لن تتزوج هذا الشخص إلا علي جثته ..

وجدت أمها فجأة تتدخل و تحول بينها و بينه و تدفعها للذهاب إلي حجرتها ..

لم تنطق بكلمة و خدها المحمر من كف يده ينطق بالغضب و الذهول ..

دخلت غرفتها و اقفلت الباب بالمفتاح ..

جلست علي سريرها ببطء المذهولين .. في رأسها مزيج غريب من صراخ والدها الذي لازال مستمرا بالخارج و صدي بعيد من اغنية منير ..

 بقايا فرحتها تتساقط داخل الهوة العميقة التي فجرها تحكم والدها و ردة فعله ..

لم تستطع تصدق .. لماذا .. و كيف انكسرت فرحتها .. و انكسر قلبها ..

لماذا رفض .. و كيف يرفض و هي من ستتزوج .. هي من تقرر !!

أغمضت عينيها .. و لازالت في صدمة حقيقية ..

أحقا حدث كل هذا لأنها قررت أن تختار من تحب ..
لأنها قالت .. أنا حرة .. أتزوج من أشاء !

أكثر من حياة





ليس أجمل من إجازة هادئة و كتاب مشوق ..
فالشئ الاكثر روعة بشأن الكتب أنها تعطيك الفرصة لتعيش أكثر من حياة ..
لتصادق ابطال لا تعرفهم بطريقة حميمية ..
تصاحبهم في اشد لحظات هدوئهم و اضطرابهم ..
تسافر و تزور أماكن لم ترها من قبل .. و ربما لن تراها ابدا ..
تنبهر بجمالها .. و تصغي لأصوات العصافير فيها ..
تستدفئ مع أبطالها أمام المدفئة في الشتاء .. أو تتحرك معهم في الحديقة بحثا عن نسمة صيفية في إحدي الليالي ..
تترقب اللحظة التي ينطق فيها العاشق بكلمة "أحبك" بعد سهاد ليالي طويلة لم تنمها معه و هو يفكر أين و متي و كيف سيقولها ..
أو تحبس أنفاسك بينما الفتاة الجميلة الهادئة تتمرد علي كل ما خضعت له طوال طفولتها و حياتها التي عايشتها معها ..
و تدمع عيناك مع البطلة الحزينة الجالسة وحدها في غرفة مقفلة ليس معها سواك دون أن تدري هي أنها مجرد كلمات علي ورق .. و أنك تصغي لأحزانها بكل هدوء ..
و كأنك أمام مائدة شهية من كل الأزمنة و الأمكنة .. تنتقي منها ما يحلو لك لتهرب من حياتك إليها ..
و كل هذا السحر دون أن تغادر مقعدك !

نصائح للمأزومين






هناك عدة قواعد لابد و أن تضعها بين عينيك إذا كنت تمر بأزمة شديدة ..
1- الله لا يعبث
2- الأزمة التي تمر بها لها حكمة أنت لا تراها .. ابحث عنها
3- إذا وجدتها فلا تعتقد أن الأمر انتهي عند هذا الحد .. ستتعلمها بالطريق الصعب .. بالمعاناة التي ستحفرها في نفسك .. بنار حيرة البحث عن الحق ستصطلي نفسك ... تذكر مجددا .. الله لا يعبث .. عليك أن تتعلم الحكمة المبتغاة
4- إذا اردت الخروج من الأزمة بسلام ستجد نفسك بين اختيارين .. أحدهما سهل و يناقض الحكمة التي تعلمتها و غالبا ما يكون هذا الاختيار موافق لهوي المجتمع ..
و الآخر صعب .. جدا .. و يتفق تماما مع الحكمة التي تعلمتها .. و ما تعتقد أنه "الصح" لكن ثمنه فادح ..
5- الصح دائما ثمنه فادح .. و دائما سيأتي لك في نقطة ضعفك .. لأن هدف المعاناة أن تجعلك أقوي
6- سلاح جبار في يدك اسمه الصدق مع الله .. خليك صادق .. اسعي للحق
7- اقرا أول تلات آيات في سورة العنكبوت " الم ، أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ ، وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ"
واخد بالك من الصدق ..
8- اقرا آخر آية في نفس السورة "وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ "
مجاهدة النفس و البحث عن الحق أصعب أنواع الجهاد في رأيي ..
9- اقرا أول قاعدة تاني "الله لا يعبث" إذن "الله معك شاهد غير غائب و لا بعيد"
10 - كله بيعدي ... المهم هيعدي عليك ازاي .

مش لازم تختم القرآن في رمضان




مش لازم تختم القرآن في رمضان :)

أعلم أن كثيرا منا يسارع لمحاولة ختم القرآن حرصا علي الثواب .. بل البعض يضع جداول لختم القرآن 5 أو 6 مرات في الشهر ..

لكن .. هلا تتوقف قليلا عن هذا الجري و تفكر لدقيقة .. لماذا نزل القرآن؟؟

تذكر أول كلمة منه .. "اقرأ"
اقرأ ..
اقرأ بتمعن و هدوء .. بخشوع .. انصت .. تفكر .. تدبر ..
كلها أوامر قرآنية نمر عليها سريعا في محاولة لانهاء الجزء لكي نستطيع أن نختم قبل فوات الشهر ..
اقرأ ..
إن العبرة في قراءة القرآن ليست بترديد الحروف بآلية عمياء .. أو حتي بنصف تركيز ,,
لكن العبرة بأن تدع كلماته تتسرب إلي نفسك .. أن ينير لك طريق الحكمة و دروب المعرفة .. أن تهدأ و تستكين .. و تجد حلول لكل المشاكل بين دفتيه ..

مش لازم تختم القرآن في رمضان بقولها تاني :)
اقرأ كل يوم حتي و لو صفحة واحدة لكن بتركيز حقيقي كأنك ستخوض فيها امتحان عسير ..
ابحث عن معناها و تفسيرها و حكمتها ..
تفكر فيها قليلا .. ثم حاول أن تطبقها ..
هذه هي روح القرآن عن حق ..
و لهذا نزل ..

اشمعني الكذب







اشمعني الكذب ..

احترت طويلا أمام قول الرسول أن "المؤمن" قد يزني و قد يسرق لكنه أبدا لا يكذب ..
تفكرت فيه كثيرا ثم أدركت أن الحقيقة كانت تحت أنفي دون أن أدرك ..
ما هو الايمان؟
الايمان هو التصديق حقا و "صدقا" أن ما تعتقده هو الحق ..
فإن لم تكن صادقا في إيمانك أن الله هو الحق .. إن لم تكن مصدقا فعلا بوجوده .. برحمته .. بعدله .. بعفوه .. فأنت لست مؤمنا .. هكذا ببساطة
المؤمن (و ليس المسلم) لا يمكن إلا أن يكون صادقا .. و إلا انتفي عنه الايمان ..
أما الخطيئة فهي ذلة لا تنفي عنك الصدق في ايمانك ..

نحن لسنا أنبياء و لا معصومين من الخطأ .. نحن في لحظة قد نسمع كلام ابليس أو نستسلم لهوي أنفسنا فنسرق أو نقتل أو نزني ..
إننا نخطئ في كل لحظة .. و كل وقت ..
لكن اليد التي تمتد لتنقذنا في كل مرة .. هي الصدق
الصدق ثم الصدق ثم الصدق
الصدق الذي يوقظ ضمائرنا بأن ما ارتكبناه خطأ .. الصدق بأنا نادمون حقا و حريصون فعلا علي رضا الله هو ما يشفع لنا المرة تلو المرة ..
الصدق الذي جعل الله يقول لعبده العاصي الذي ما ينفك يتوب "علم عبدي أن له رباً يغفر الذنب ويأخذ به فقال غفرت لعبدي فليعمل مايشاء"
إن الصدق لن يمنعك من ارتكاب المعاصي و الذنوب .. لكنه سيعيدك كل مرة إلي طريق الحق

الحمد لله أن الله وحده يملك الحكم علي مدي صدقنا في السعي عليه

ثورة حقيقية








إننا بالفعل في حاجة إلي ثورة حقيقية ..

لكنها ليست مجرد ثورة ميادين و هتافات و حناجر تشق السماء ...

إننا بحاجة إلي ثورة تقضي علي الطواغيت التي تعيش فينا و تخلق داخل كل منا ..

ثورة على التعصب و التحكم و التمسك بالرأي ..
ثورة علي الجدال الذي لا طائل من وراءه سوي اثبات أنك علي صواب ..
ثورة علي الديكتاتور الصغير الذي نمارس أفعاله المتكبرة بكل صلف و غرور في مواجهة بعضنا البعض ..

بحاجة حقيقية .. للثورة علي العقول المغسولة التي تخلق طاغية جاهل داخل كل منا .. يظن أنه أعلم العالمين و المفتي الأعظم في كل شئ .. بدءا من مكان الشارع الذي تبحث عنه حتي أدق العلوم و الفنون و القانون و الدين ..

بحاجة للقضاء علي المعلم الديكتاتور الذي يكتفي بأن يجعل الطلبة يحفظون و يحفظون و ينجحون ثم يتخرجون حميرا لا يتذكرون اي شئ مما حفظوه غصبا و اقتدارا ..

بحاجة للثورة علي دكتور الجامعة الطاغية الذي يعاقب الطلبة بامتحان تعجيزي .. و ينتقد سلوكهم و سخافتهم .. و يكره الوقت الذي يقضيه معهم .. ثم يتأفف من قلة حضورهم .. و هو لا يحرك ساكنا من مكانه و يكتفي بقراءة كتابه و اجبار الطلبة علي شراءه ...

بحاجة للثورة علي الطاغية الكامن داخل كل من يتقلد وظيفة عامة .. شرطة .. نيابة .. أو حتي موظف ضرائب .. و شعوره أنه فوق الأشخاص العاديين ..

بحاجة للثورة علي الرجل الظالم الذي يضرب اولاده ..
علي السيدة الطاغية التي تجبر أولادها علي انتهاج سبل حياة ترضيها و لا ترضيهم ..
علي رجل الدين الذي لا ينصح الناس بالحسني .. و لا يكلمهم إلا عن عذاب القبر ..

بحاجة للثورة علي منظومة الزواج التي تسخر الافراد للدوران في فلكها .. و تعتبر الحب كبيرة من الكبائر ..

نحن بحاجة لثورة حقيقية علي أنفسنا .. علي تحكمنا .. علي محاسبتنا للآخرين ..
نحن في مجملنا نشكل المسمي "كلام الناس" الذي يخشاه الآخرون دائما ..
كل واحد منا .. بحاجة لأن يثور أولا علي نفسه و مسلماته .. ثم بعد ذلك ليتحدث عن الثورة ..

البحث عن ميت "فانتازيا"







مستلقي علي ظهره ... عيناه مغمضتان ..
نسيم عليل يداعب وجهه .. و روائح مسك تُعطره ..
ابتسامة نائمة علي شفتيه ..
يتحرك حركة بسيطة .. يبدأ في الاستيقاظ ..
يفتح عينيه ببطء .. لا يدري أين هو .. مكان واسع فسيح جميل ..
يمتد إلي ما لا نهاية و مع ذلك يوحي في نفسه بإحساس سكينة و طمأنينة ..
يتلفت حوله .. عساه يجد انسان ..
وجد ملاكا جميلا .. ملاكا حقيقيا .. تماما كما الأحلام ..
بجناحين عظيمين .. و طاقة نور فوق رأسه الأبيض الجميل ..
فغر فاهه من الدهشة .. و كان أول ما نطق به ..
" أنا فين ؟؟"
"أنت ميت"
ارتد للوراء بفزع .. ميت !!
لا يمكن ..
حدّق فيه بامعان ..
ركّز قليلا .. عله يستعيد آخر ما مر به قبل هذه النومة الطويلة .. هل هو حلم ..!
فجأة ضرب جبهته بيده في قوة ..
يا إلهي .. الثورة .. موقعة الجمل .. مبارك ..
"يا نهار اسود .. أنا مت "
أجاب الملاك بإيماءة من رأسه ..
"طب حصل إيه في الثورة؟؟ نجحنا و لا لاء ؟؟ اصحابي عايشين و لا ميتين زيي ؟؟ طب مبارك مشي؟؟"
لم يرد عليه الملاك ..
"طب أعرف بس .. هي الثورة نجحت؟"
لم يرد الملاك ..
ظل يدور في الفراغ الهائل حوله و القلق يتآكله..
ثم لمح من بعيد جسد آخر مستلقي ..
أسرع بالجري نحوه ..
تمالك أعصابه بصعوبة و هو يوقظه برفق ..
فتح الثاني عينيه ببطء و بنفس الابتسامة الناعسة ..
و ظل معه حتي أفاق و أخبره أنه هو الآخر ميت .. و أخذ يحايله حتي استوعب الصدمة ثم قبل ان يسأله .. قال الثاني ..
"يا نهار اسود .. مجلس الوزراء .. هو ايه اللي حصل .. المجلس العسكري لسه بيحكم ؟؟ "
تراجع الأول للوراء قائلا .. "مجلس عسكري إيه ؟؟ هو مبارك مشي"
رد الثاني "أيوه طبعا مشي"
قفز الأول في الهواء مهللا .. "هييييه .. يا سلام .. عملناها .. عملناها .. مبارك مشي .. الحمد لله موتي مراحش هدر .. هيييه .. مفيش ظلم تاني .. اخيرا استعدنا بلدنا ..ياه يا رب .. الحمد لله"
حدق فيه الثاني كأنه مجنون أو عبيط ..
فتوقف عن التهليل قليلا .. ثم تساءل ..
"امال مجلس عسكري إيه .. هو انت مت ازاي"
حكي له كل الأحداث التي فاتته ..
فأخذ يتقافز في جنون .. "مش معقول .. مش معقول ..
اكيد الشعب مش هيسكت علي الدم و هتك الأعراض دا .."
"آخر حاجة قبل ماوصل هنا .. أننا كنا نازلين ضد بقاء المجلس العسكري و عايزين السلطة تنتقل لرئيس مدني منتخب .."
ران الصمت عليهما .. و جلس الاثنان علي الأرض البيضاء التي تمتد إلي ما لا نهاية ..
قال الثاني بعد فترة .. "أنا لازم أعرف إيه اللي حصل"
رد الأول قائما من مكانه .. "طب قوم بينا ندور علي حد ميت .. لو ملقناش يبقي الثورة نجحت .. و لو لقينا هنعرف إيه اللي حصل "
قام كلاهما و ظلا يمشيان بلا نهاية ..
حتي وجدا ثالث .. مستلقي علي ظهره و علي شفتيه ابتسامة نائمة ..
ظلا معه حتي أفاق و استوعب صدمة أنه ميت .. ثم تذكر كيف مات .. و صرخ فجأة ..
" يا خبر .. الاعلان الدستوري .. الاتحادية .. الاخوان هاجمونا .. ناس كتير اتضربت .. إيه دا .. أنا مُت !!"
تململ الأول في ملل واضح .. فهذه ثاني مرة .. يحاول فيها اقناع من يقابله أنه ميت ..
قال له الثاني بسرعة .. "الاخوان !!!!!" "هو المجلس العسكري مشي"
رد الثالث .. "مشي من زمان و عملنا انتخابات .. و الاعادة كانت بين مرسي بتاع الاخوان .. و شفيق الفلول .. و عصرنا لمون و انتخبنا مرسي .. قام مرسي أصدر اعلان دستور ديكتاتوري .. رحنا اتظاهرنا عند الاتحادية .. و بعدين جماعته و عشيرته هاجمونا .. و بعدين .. بعدين .. أنا مُت "
قال الأول في فزع .. "هو إيه اللي بيحصل دا كله ... أنا كنت فاكر لما نشيل مبارك .. الحياة هتبقي حلوة .. و الحقوق هترجع لأصحابها .. و هنبني بلدنا .."
رد الثاني مكملا في وجل .. "و أنا كنت فاكر إن هييجي رئيس مدني منتخب من الثورة .. يقود النهضة في البلد و ينهي الحكم العسكري .."
انفعل الثالث قائلا .. "لاء .. لاء .. نهضة تاني لاء .. "
نظر له الاثنان باستغراب و لم يفهما و لم يعلقا ...
ران الصمت علي ثلاثتهم تماما ...
ثم قال الثاني ... "و الآن .. ماذا سنفعل ؟"
قال الثالث .. "يبدو أنه لا أمل"
قال الأول .. "يجب أن نكمل بحث .. إذا وجدنا ميت هنعرف إيه اللي حصل . و إذا لم نجد .. يبقي الثورة نجحت"
قاموا من مكانهم .. و لفترة طويلة طويلة ظلوا يمشون .. حتي وجدوا شخص رابع مستلقي ..
أخذ الاول يقلب أصابعه في ملل بينما الاثنان الآخران يوقظانه و يفهمانه أنه ميت .. ثم صرخ فجأة في غضب ..
"لاء .. لاء .. انا مكنتش عايز اموت قبل 30 -6 "
حدق فيه الثلاثة بدهشة ..
"هو انت مت ازاي أصلا"
 " مرسي عيّن محافظين من المتأسلمين و الاخوان .. نزلنا نتظاهر ضدهم و الدنيا ولعّت و بعدين .. بعدين .. لقيت نفسي هنا"
 سأل الأول باهتمام .. " و إيه اللي هيحصل يوم 30-6 ؟ "
" مرسي خربها علي الآخر و خلا حجم مصر قد السمسمة قصاد العالم .. و كل حاجة ماشية من سئ لأسوأ في البلد .. قمنا عملنا حركة تمرد عشان نسحب الثقة منه و نعمل انتخابات رئاسية مبكرة .. و جمعنا موافقة 15 مليون مصري ..  قام استقوي بأهله و عشيرته علينا .. و هننزل يوم 30-6 نطالب برحيله و انتخابات رئاسية مبكرة ..."
ثم سكت قليلا .. و قال في حزن .. "قصدي  هينزلوا"
همس الأول .. "يعني ثورة من أول و جديد"
رد الثاني .. "تفتكر هتنجح؟"
رد عليه نفس الرد الذي قاله من قبل .. "أدينا هندور .. إن لقينا ميت هيقولنا .. و إن ملقيناش يبقي الثورة نجحت" .


قصة شعر








عينان محمرتان من قلة النوم و شعر "منكوش" انعكس في مرآة الحمام ..
تنهيدة عميقة ثم بيد كسولة مرت علي شعرها في محاولة بائسة لتسويته ...
5 ساعات هو كل ما طالته من النوم .. و عليها أن تسرع لتوقظ زوجها ليذهب إلي عمله ..
شدت قامتها كعسكري جيش .. بدأت استعداداتها اليومية ..
حمام سريع .. بدت بعده أحسن حالا بكثير بعدما عقصت شعرها المبلول للأعلي بطريقة جذابة و بدا وجهها اقل إرهاقا ...
عادت إلي الحجرة بخفة و أيقظته بهزة خفيفة من يدها .. قبلة معتادة علي خده ..
رفض كسول من جانبه .. ينتهي باستسلامه و فتحها للستائر ..
نفس التحية الصباحية .. و الطقوس المعتادة حول المائدة الصغيرة المعدة للافطار .. و تركيزه القليل ما بينها و بين قهوته و جريدته ..
هنيهة و اتخذ طريقه للخارج ..
ظلت جالسة مكانها .. و لم تقم لحمل الأطباق للمطبخ كالمعتاد ..
ملت و كلت من "المعتاد" ..
ما الذي أصابهما .. ما سبب الملل و الفتور الذي طغي فجأة علي كل شئ..
فكرت قليلا .. ربما هي السبب .. ربما يجدر بها أن تبتكر قليلا في الحياة ..
اغتمت قليلا .. ثم بعد تفكير عادت اشراقة الابتسامة إليها ..
قامت من مكانها و دخلت حجرة النوم و فردت شعرها أمام المرآة ..
سأقصه ..
سأقصه .. لقد اتخذت القرار ..
سأغير شكلي ربما يجذب ذلك انتباهه و يعيد إلينا بعض الحيوية المفقودة ..
ارتدت ملابسها و قبل أن تنزل ابتسمت قائلة ..
الوداع يا شعري الطويل ..
وصلت الكوافير بعد حوالي نصف الساعة ..
كان مزدحما علي آخره ..
ابتسامة معتذرة من البنت الواقفة تغسل رأس احداهن ..
فأشارت .. أن لا بأس سأنتظر ..
أحضروا لها بعض المياه الساخنة التي دست فيها يديها و قدميها ..
الوقت يمر ببطء قاتل و رائحة السشوار الساخن في المكان خانقة ..
ظلت تتسلي بمراقبة البنات .. و سماع أحاديثهن ..
و هي تفكر في زوجها العزيز .. مبتسمة في خاطرها ..
"كله لاجل خاطرك يا جميل .."
و أخييييرا .. جاء دورها بعد انتظار يقارب الساعتين ..
جلست تحت يد الكوافيرة و رأت شعرها الاسود الجميل يتساقط علي الجانبين ثم أخيرا رفعت رأسها للمرآة ..
جميلة ..
ابتسمت .. الحمد لله
مررت يدها بين خصلاته .. قصة شعر جميلة .. لا شك سيحبها ..
شعرت بالسعادة و هي تتخيل رأيه و اعجابه بشكلها ...
تحملت سخونة السشوار برغم حساسية جلدها الرقيق ..
نظرت في ساعتها .. تأخرت كثيرا .. لابد و أن تعود للبيت ..
انتهت من تصفيف شعرها و تناولت حقيبتها و انطلقت ..
عادت إلي المنزل باحساس جميل بأنوثتها و جمالها ..
ابتسامة حلوة لم تفارق ملامحها .. حتي سمعت تكة المفتاح في الباب ..
مسحت الابتسامة سريعا  في انتظار لردة فعله ..
ألقي عليها التحية و هو في طريقه إلي حجرة النوم ..
ذهبت وراءه .. و وقفت علي باب الحجرة  ..
نظر إليها متعبا و هو يتناول البيجامة من علي السرير .. و يتكلم في موضوع ما ..
معقولة لم يلحظ قصة شعرها الجديدة !
شعرت أنها تكاد تلوح له بخصلاته .. يكمل كلام في غير انتباه ..
ثم يتوقف لحظة و ينظر إليها ..
يشرق قلبها .. أخيرا
"شكلك متغير"
احباط خفيف يسري بباطنها ..
" مم آه .. قصيت شعري "
"كويس .. التغيير حلو"
فعلا!! لم تنطق بحرف .. لكن كل ما فيها عبّر عن كلمة واحدة .. فعلا !
لم يلحظ ردة فعلها و اتجه للحمام .. بينما ظلت هي واقفة مكانها ..
شعرت علي نحو عجيب أن تود لو عادت للكوافير لتلملم بقايا شعرها المقصوص ..
و تضمه إليها .. و تبكي
علي قصة شعرها ...

حماتك !








كيف استطاعوا أن يحشوا عقولنا بتلك الافكار المقيتة عن الأم الأخري التي أسموها "الحماة" ..

كيف تحبين رجلا .. دون أن تعشقي الرحم الذي احتضن روحك ..
و اليد التي عطفت عليه و أطعمته ..

كيف لا تُقبّلين أقدام الأم التي عانت لأجل أن تهبك الحياة بمجيئه ..
كيف باستطاعتك أن تقدمي لها عرفانا كافيا لاعتنائها به ليال طويلة ..
كيف تقولين عنه أنه قطعة من قلبك .. ثم تبتعدين عن تلك التي كان قطعة من لحمها و دمها ..

كيف تذوبين للمسة يده .. و ما حنوه إلا بعضا منها .. من ضمة صدرها له .. من حنانها الذي كفاه و شمله حتي شب و أصبح قادرا علي العطاء لكي ..
كيف لا تشاطرينها كل اللحظات و هو ابنك بقدر ما هو ابنها ..
كيف تحبينه حتي النخاع .. و تتزلزل الأرض تحت أقدامك من ألم يلم به .. ثم لا تشعرين بتلك التي انقبض قلبها مع كل تقطيبة جبين منه أو آهة ألم ..

كيف تعشقين ضحكته .. و تبذلين نفسك لاسعاده .. و لا تقدسين تلك التي كانت أول من رأي ضحكته .. و أول من احتفل بسّنته الأولي..
كيف تهمسين له .. أنك تعشقين وقع خطواته علي الأرض .. و كانت هي أول من صاحبته في أولي الخطوات ..
بأي عقل و أي قلب لا تستطيعين أن تحبي "أم حبيبك" ..

عزيزتي .. لا تستمعي لهم إذا ما أخبروكِ أن تبتعدي عنها و تُبقي علي مسافات بينكما ..
لا تصغي لمن تقول لكِ .. "حماتك هتعمل و هتعمل" ..
قولي لهم أنها أمك الأخري ..
و أحبيها بصدق .. أقبلي عليها كأنها أمك .. لا تجعلي الأمر واجبا ثقيلا علي نفسك لأنها بالتأكيد ستشعر بذلك ..
يكاد يكون من المستحيل .. أن تحبيها فعلا من كل قلبك .. و ألا تبادلك علي الاقل .. مودة بسيطة
و أرجوكِ ..
لا تنسي أبدا .. أنك أنتِ من سيأخذ منها حبيبها .. فرفقا بقلبها

حدوتة حقيقية








في زمن بعيد بعيد منذ آلاف السنين .. علي متن مركب خشبية ضعيفة البنيان، وقف رجلان يبدو علي سيماهما الوقور بين الحمالين و الشيالين و التجار و المسافرين الذي ضاق بهم المكان ..
ظلا يتطلعان في سكون نحو الافق و كل منهم مشغول بما جال بفكره و حيره ...
انتبها من تفكيرهما علي تحرك المركب بعتاده و ناسه .. فابتسم الأول (ذا الشعر الأسود) و قال للثاني (ذا الشعر الابيض) :
- أنا حقا متحمس لبدء الرحلة
بابتسامة صغيرة جاوبه :
- بالتأكيد
كان قليل الكلام تبدو عليه الهيبة و الحكمة ..


أخذ المركب يبتعد عن الشاطئ رويدا رويدا .. حتي اختفت كل المعالم و أحاط بهم البحر من كل مكان ...
بحر واسع .. عميق .. مخيف .. بلا بداية و لا نهاية .. و كأنه امتداد السماء الواسعة ..
وقف (ذا الشعر الأسود) على حافة المركب متطلعا إلى الأفق و متسائلا عن مصيره في هذه الرحلة العجيبة ..
زاغ بصره مع الأمواج المتتابعة خلف السفينة و شعر بالدوار .. فآثر الابتعاد عن الحافة

نظر حوله و ، انتبه لغياب (ذا الشعر الأبيض) عن ناظره ..
تعجب في نفسه و أخذ يبحث عنه في كل مكان علي سطح المركب .. لكن دون أثر كانما تبخر ..


صار يسأل البحارة و المسافرين .. لا لم يره أحد !!
هل تركه وحده ؟ 
تجاهل هذا الهاجس السخيف الذي لا معنى له .. فأين سيذهب في هذا البحر الشاسع ..


ظل يحاور مخابئ السفينة حتي وجده قابع في ركن خفي و بيده قطعة حديد قوية ..
اقترب منه في وجل .. و نظر من وراءه فوجد ثقبا كبيرا في أرضية المركب و البحر يبدو من تحتها مخيفا .. عميقا ... تتناثر أمواجه بشدة و عنف .. يبدو مستعدا لابتلاع من تسول له نفسه الاقتراب !


"قال بفزع لا إرادي  .. ماذا تفعل ؟؟ اتريد أن تغرقنا ؟؟"

أشار إليه (ذا الشعر الابيض) بإشارة علي فمه ألا يحدث صوتا ..
ثم قال في خفوت ..
"تذكر الشرط الذي التزمت به .."


نعم ... الشرط .. و ياله من شرط صعب .. و كيف له أن يلتزم به بعد ما رآه !

اضطر ذا الشعر الأسود أن يسكت علي مضض و قد ثار به القلق و أصبح لا يستقر في مكان و هو من حين لآخر يتخيل نفسه غريق في هذا البحر الواسع المخيف . إلي أن اذن الله بوصول المركب بالسلامة للميناء التالي ..

سارع بالنزول حامدا الله علي السلامة و الستر .. و إن كان مهموما لأولئك المساكين الذين خربت سفينتهم .. و حدثته نفسه أن يحذرهم خوفا من أن ينال منهم الغرق في رحلة مقبلة .. لكن نظرة إلى "ذا الشعر الأبيض" جعلته يغلق فمه و يتذكر الشرط الذي التزم به.


مشي الصاحبان و ظلا يتوغلان في المسير حتي دخلا غابة كثيفة الاشجار، محملة بالثمار من كل شكل و لون ..

و ما إن مشيا فيها بضعة أمتار حتى نسى ذا الشعر الأسود ما كان من قلقه من السفينة .. بل نسى نفسه و اسمه من جمال المنظر الخلاب ...
انبهار غير طبيعي بالطبيعة النضرة .. و صوت خرير المياه في جداول صغيرة بينما العصافير تزقزق في خفوت و روعة ..

توقف قليلا أمام عصفور جميل أصفر اللون .. غناءه لا مثيل له ..
كان مبهورا به حقا .. داعب رأسه باصبعه مبتسما .. ثم التفت ليتابع سيره .. فلم يجد أمامه (ذا الشعر الابيض) .. 

شعر بالقلق يساوره و يوقظه من سبات الانبهار بالجمال .. فجوة من القلق انفتحت في قلبه .. آخر مرة غاب فيها الرجل عن عينيه .. وجد فيها مصيبة! 

تقفي أثره  بصعوبة  حتي سمع صوتا خلف شجرة ضخمة .. ثم لمح ظله محنيا على الأرض ..


التف حول الشجرة فوجد (ذا الشعر الابيض) يحفر في الارض حفرة واسعة و أمامه غلام صغير أبيض البشرة .. ناعم الشعر .. جميل كالملائكة .. حاول أن يقترب منه .. فوجده "ميت" .. "مقتول"


ارتد (ذا الشعر الاسود) للوراء في فزع و حدق فيه كأنه مجنون .. ثم صرخ قائلا ..
"أجننت .. كيف تقتل غلام صغير مثله ؟؟ يا إلهي .؟ أي وحش يسكنك .. يا الهي .. يا الهي !!" 


اشار إليه (ذا الشعر الابيض) بنفس الاشارة التي جاوبه بها في السفينة .. ثم قال بهدوء قاتل ..
" هذه آخر مرة أذكرك فيها بالشرط الذي التزمت به"

اضطر (ذا الشعر الاسود) أن يصمت تماما و قد صار لا يعرف ماذا يفعل ..

أعتصر الحزن و الألم  قلبه علي الصغير الذي فارق الحياة .. يا الهي .. أى وحش يصاحبه .. ذلك الذي تخول له نفسه أن يقتل صبيا صغيرا لا ذنب له .. 

أكمل باقي الطريق ساهم لا ينطق .. و هو يجر قدماه جرا ..

و فيما هما خارجان من الغابة رأي من بعيد سيدة تجري بفزع منادية علي طفلها و زوجها أمامها يبحث في كل مكان بمنتهي الانفعال و القلق ..
انقبض قلبه و اعتصره الألم .. و قد خمن أنهما والدا الطفل الصغير ..

ظلا يمشيان في سكون حتي وصلا إلي قرية صغيرة في مكان نائي .. كان التعب قد استبد بهما و لم يتوقفا عن المضي منذ الصباح ..
كانا جائعين و متعبين ..
فدقا أول باب قابلهما طالبين شربة ماء أو كسرة خبز ..
فلم يفتح لهما أحد ... فقال (ذا الشعر الأسود) ..
"لعل ليس به أحد !"
ثم صارا يتنقلان بين أبواب البيوت دون أمل .. فبين من يغلق الأبواب في وجهيهما .. و بين من يدعي أنه غير موجود ببيته .. و من يشيح بوجهه عنهما ..
حتي انتهي بهما المسير إلي ظل حائط مائل .. استراحا إليه بعض الوقت ..
ثم قام (ذا الشعر الابيض) و بدأ بهمة يعمل علي إقامة الحائط المائل و التشديد علي بنيانه و تقويته ..
فصاح به (ذا الشعر الاسود) في استنكار ..
"كان بإمكاننا أن نأخذ عن عملك هذا أجرا نشتري به شربة ماء أو بعض الطعام !!"

هذه المرة لم يرد عليه ذا الشعر الابيض و أكمل عمله ..
ثم ما انتهي حتي أخذه من يده و سارا بعض الوقت حتي وصلا مكان مأهول ..

ثم قال (ذا الشعر الابيض) ...

"هذه نهاية رحلتنا سويا .. لكن قبل أن تذهب .. اعلم أني ما خرقت السفينة لنغرق .. و لكن لأني أردت حماية أصحابها الفقراء من بطش ملك المدينة التي نزلنا بها لكي يعزف عن الاستيلاء علي سفينتهم حين يجد بها عيبا ..

و أني قتلت الغلام لأنه كان سيكبر ليصبح  مفسد عظيم في الأرض، عاق لأهله معذبا لهم بسلوكه الفاجر .. و عسي الله أن يبدلهم خيرا منه ..

و أني لم أطلب مقابلا لترميم الحائط .. لأني لم ارد لأهل القرية أن يعلموا عنه شيئا لأن وراءه كنز عظيم لأحد أهلها الطيبين .. و قد مات و ولداه صغيران .. و أردت أن أحفظ لهما كنزهما حتي يكبرا و يجداه و يستفيدا منه ..

و ما فعلت ذلك من نفسي .. لكنها كانت اوامر الله و وحيه الذي أمرني بذلك فامتثلت .."

بالتأكيد عرفتم ماهية الحدوتة .. الحدوتة الحقيقية التي دائما ما قرأتها بعين الرواية و مشاعر الابطال و أنا اري سيدنا موسي يسير مع الخضر عليه السلام ثم يفزع لرؤية ثقب السفينة و الغلام الميت و يستنكر ترميم حائط المدينة الجاحدة ..


لكن الحقيقة الاكيدة أننا كلنا نعاني من مشكلة سيدنا موسي .. أننا لا نري إلا الحاضر و الآن .. لا نثق بما فيه الكفاية أن الشر الأعظم الذي قد يتجسد يوما أمام أعيننا فنقول هو الأذي الذي ليس بعده اذي .. قد يكون في حقيقته عين الخير و أحسن ما حدث لنا علي الاطلاق ..

الحياة مليئة بالمصاعب و المآسي و الزلازل التي تحيل حياتنا جحيما .. لكن ربما الله في هذه اللحظة يأمر جندي من جنوده بأمر فيه خير عظيم لنا و نحن لا ندري و نستنكر ..
بل ربما كان سيدنا الخضر موجود في زماننا هذا .. من يدري ! ما يعلم جنود ربك إلا هو ..

إن هذه الحدوتة الحقيقية لكفيلة بأن تمنحنا حتي آخر لحظة من عمرنا .. الاطمئنان الكافي و راحة البال .
ثقوا بالله :)


مستنية آرائكم
:)