روح الحياة






 و كأن روح الله التي نفخها في آدم حين خلقه تتجلي غاية ما تتجلي في عيوننا ..
كيف تكون نظرة العين مليئة بالحياة و خير معبر عن نفس الانسان بهذه الطريقة ..
و كأنها مرآة لنفسه .. تتكشف بها روحه علينا و تنشر في غير خشية أسراره مهما حاول أن يخفيها .. تنطلق في غير حياء مخالفة أمره فتبتسم حين يتصنع الحزن و تمتلئ بالشجن حين يرسم ابتسامة بلا طعم علي شفتيه ..
و كيف يكون لابتسامته طعما بلا عينين تسبغان عليها روحه ..

كيف تتحول العينان مع محدودية وجودهما إلي سعة لا نهائية حين تنظر إليهما بحب و تأمل ...
كيف يمكننا أن نغرق في عينين !
 شعور أشبه بسحب الموج حين يستولي عليك و فجأة تجد نفسك في أعمق المناطق قبل أن تدرك ..
و كأن روحك تسحب منك لتنضم لتلك الروح الأخري التي تسكن العينين اللتان غرقت فيهما ..
 و كأنك تتجرد رويدا رويدا من كل مقاومة و تتفكك أسوار دفاعاتك قطعة قطعة حتي تنقلب سرابا و وهما ..
كل الحياة سرابا و وهما إلا اليقين الوحيد و الحقيقي في روح الحياة الثملة في عيني من تحب ..
و كيف من ناحية أخري لعينين ماتت فيهما نزعات الخير الفياضة و الانسانية و الرحمة .. فتبدت من خلفهما روح مظلمة قاسية عجفاء .. أن تسلب جمال الملامح رونقه .. و تتبع الجمال ب "لكن " ..جميلة الملامح و لكن سخيفة .. أو قاسية .. أو باردة .. أو بغيضة

ثم كيف تستطيع عينان دافقتان بالحنان .. لامعتان بالشغف .. زاهيتان بالفرح أن تنزع عن الملامح قبيحها، لتكشف عن نفس جميلة .. نقية .. صافية .. دافئة ..

طوبي لمن استطاع منا أن يخفف عن الناس أحزانهم و يطمأن أرواحهم بدفقة حنان و مودة حقيقية من عينيه ..
طوبي لمن كانت منا تحمل في عينيها الراحة .. و روح الحياة

ربنا يجعل يومي قبل يومك










ربما تتعجبون أن أري اشد الكلمات أنانية هي تلك التي نقولها قاصدين بها اظهار التضحية و ايثار الآخرين ...


"ربنا يجعل يومي قبل يومك "

قد يبدو من ظاهرها تمني الحياة و طول العمر لمن نحب .. مفضلين أن نموت نحن ليعيشوا هم .. 
أن نرقد تحت التراب ليتنفسوا ربيع الحياة و يستمتعوا بها بينما يوارينا الثري ..
لو كنا نحبهم حقا .. لما نطقنا بها ..
 لو كنا نحبهم حقا لما استطعنا أن نتخيل تعرضهم لعذاب أن يعيشوا وحدهم دوننا .. 
لو كنا نحبهم .. لما أمِنا لغيرنا أن يعتنوا براحتهم ..

لو كنا نحبهم بكل العمق و القوة و الحرص و الرحمة و الاعتناء الساكنين في نفوسنا .. لما أمنا أن نسلمهم لدنيا لسنا فيها بجانبهم لنخفف عنهم أحزانهم و نطيب جرح نفوسهم و نشدد عضدهم و ندعمهم و نحبهم و نرحمهم و نسامحهم و نشعرهم أنهم أبدا ليسوا وحدهم و أنه مازال بهذا العالم من يتمني أن يمضي العمر طلبا لراحتهم ..

لو كنا نحبهم حقا .. لما تحملنا عليهم ألم فراقهم لنا .. و تمزقهم في بعدنا .. و لما بجبن فضلنا أن نواري الثري و لا نذوق مرارة فقدهم ..

"ربنا يجعل يومي بعد يوم من أحب من الناس "

لأني أحبهم .. أحتمل أنا مرارة فقدهم و ألم و وجع ذهابهم .. و برودة الحياة دونهم ..
أحتمل أنا أن أعيش جثة بلا روحهم .. خاوية بلا حلاوة وجودهم .. و دفء طلتهم .. و حنو مودتهم ..
و لا أحتمل عليهم ذلك