رجل المستحيل !




 
أخذت أصابعها تعبث في الشنطة باحثة عن المفاتيح التي اختفت فجأة كعادتها كل يوم تلعب نفس اللعبة مع نور السلم الذي ينطفئ بمجرد أن تبدي رغبتها  في فتح باب الشقة .

 بمهارة من اعتادت اللعبة أخرجت المفتاح من وسط آلاف الأشياء التي لا تدري سبب وجودها .. فتحت الباب و انسلت إلي الداخل و هي تطلق الحذاء من قدميها التي أدماها الكعب العالي ، وضعت الملف الذي كان بيدها الأخري علي السفرة و هي تفكر أنها لابد أن تنهيه اليوم لتسلمه غداً.

بخطوات بطيئة مرهقة دخلت حجرة النوم ، تناولت ملابسها و إلي الحمام رأسا، عشر دقائق و خرجت بفوطة ملفوفة علي رأسها و هي تفكر أنه لم يبق لها إلا عشر دقائق أخري لتستريح فيها قبل أن يصل باص المدرسة بولديها الصغيرين .

ممممم هناك غسيل علي الحبل و آخر لازال في الغسالة يريد أن يحل محله علي الحبال ..

لابد أن يُنشر اليوم لأن قميص زوجها الأبيض فيه و هو يريد ارتداؤه غداً ، ليت كان باستطاعتها ارساله للمكوجي ، برغم أنه حرامي و لكن خير من المكواة .. آه كم تكره المكواة و تراكمها ..

جرس باب يرن بلا انقطاع في رأسها، ابتسمت في يأس و هي تنظر للساعة التي لم تمض منها إلا خمس دقائق ضاعت في الغسيل و المكواة.

نفس عميق ، شدت قامتها و كأنما عسكري جيش ، بخطوات واسعة ذهبت للباب لتستقبل أولادها الذين قفزوا عليها بغباوة الأولاد الأشقياء، الآن تعلم لم تمنت بنت !

 احتضنتهم بقوة و كأنما تعتذر لهم عن تمنيها و تؤكد حبها، رموا حقائبهم بسرعة في حجرتهم ثم لحقوها إلي المطبخ و هما يتكلمان في نفس واحد عن مشاجرة اليوم .. الولد الجديد بالفصل .. المعلم الذي أعطي أحدهم نجمة .. و آخر لعبة بلاي ستيشن جديدة اتحدا في مطلبهما الحصول عليها...

كانت تستمع لهما و ترد عليهما و هي في نفس الوقت تراقب الزيت علي النار و تحرص علي ابقائهم علي مسافة بعيدة عنه ثم تضع الرز و تعود لتكمل غسل الأطباق المركونة من الافطار ، تزيح أحدهما الذي يصر علي الاقتراب ليري و هي تقلب الرز مجددا .. ابتسمت ابتسامة متعبة و هي تفكر ، ها هي أصبحت رجل المستحيل الذي بمعجزة ما يحرك أطرافه الأربعة في آن واحد خارقا قوانين الطبيعة....

خفضت الحرارة تحت الأرز و تركته ينضج، ثم حملت طفليها تحت ابطيها و هما يضحكان و يركلان بقدميهما ثم ألقتهما علي الأسرة مع أمر حازم أن يبدلا ملابسهما و يستعدا للغداء.

انطلقت للبلكونة من أجل الغسيل ، ثم تركته في منتصفه لتفتح الباب الذي رن مجددا ليدخل منه زوجها ، تنهدت في استسلام مرهق .. يُصر كل يوم أن يضرب الجرس لتأتي ثم يفتح بمفتاحه .. تمتمت في تسليم ... لا إله إلا الله ..

أقبلت عليه فتناولت منه الجاكت و مشت وراءه إلي حجرة النوم و هو يزمجر من الحر و الزحمة و الشغل الذي لا ينتهي و اضطراره أن ينزل في المساء للشغل مرة أخري.

ربتت عليه بحنان و هي تتمتم بشئ عن  أن " كله بيعدي "

تركته فجأة و قد تذكرت الأرز المتروك علي النار ، أطفأت البوتاجاز ثم ذهبت لاعداد السفرة و استغلت الدقائق الباقية في انهاء مهمة الغسيل المعلقة ، ثم وضعت الطعام و جلسوا لتناوله هي صامتة متظاهرة بالاستماع و الأولاد يكررون علي مسامع أبيهم ما لتوهم أخبروها به من أحداث اليوم.

حملت بعدها الأطباق و أخذت تنظف المطبخ ثم خرجت منه بعد نصف ساعة لتجلس بجانب زوجها علي الأريكة أمام التلفاز و قد أرجعت رأسها إلي الوراء بعينين نصف مغلقتين و وجه عابس.

" مالك .. ؟ "

سألها ملتفتا إليها ..

لم تملك إلا ان تبتسم .. هناك أسئلة يكاد يكون من المستحيل الرد عليها .. بأدب !

كانت أعصابه فائرة من الشغل الذي سيضطر للذهاب إليه في المساء ، فتضايق من ابتسامتها التي بدت له مستهزئة فقال بلهجة حادة ..

" مالك ؟ ألم تسمعيني يعني ؟ ! "

التفتت إليه ببطء غير مستطيعة حتي أن تحرك لسانها لترد ، و بهدوء غير عابئة بحدته تناولت ذراعه و لفته حولها و مالت برأسها علي صدره مغمضة عينيها في تعب.

امتص تعجبه من تصرفها حدته ثم لان للينها بين ذراعيه فقبلها علي رأسها فابتسمت ..

ليته فهم أن هذا كان كل ما تتمناه ..




الكاتبه || هـنـد حنفى ||

اترك خلفك كل شئ .. و اسمح لخيالك أن يتنفس .. اغلق عينيك .. تجاهل صخب الحياة .. احلم و ابدع و ابتكر .. و عش "هندي" .. من عالم آخر .. أنا هندية .. هند حنفي