عريس لقطة










وقف أمام المرآة يمشط شعره بعناية، ملامحه الوسيمة لا تشي بسنوات عمره التي قاربت الثلاثين. تناول الجاكت الأسود الأنيق وألقي نظرة أخيرة علي العنوان الذاهب إليه ثم التقط مفاتيح سيارته وخرج من الحجرة.
جال بنظره في الشقة الخالية وتساءل... هل ستسكنها يوما امرأة !
أغلق الباب خلفه علي الوحدة الساكنة بالداخل وبعينيه نظرة شجن ..
ليتها كانت معه، ها هو الآن معه الشقة والسيارة ومصاريف الشبكة والمهر التي لم يمتلكها منذ سبع سنوات.
منذ سبع سنوات حين كان غض برئ، مفعم بالحب و أحلام الصبا، لم يأبه لكلامها عن رفض أباها و أقنعها أنه سيقنعه. ذهب إليه وحدثه عن الطموحات و العمل الجاد ، عن الحياة التي قد يعيشاها بالكاد في البداية ثم ستزهر رويدا رويدا، فلا يعقل أن نبدأ من حيث انتهي أهالينا !
حدثه عن الشقة المتواضعة و العمل البسيط الذي لا ريب يوما سيكبر، بل واندفع و أخبره أنه يحبها وأنها ست البنات وخيرهن، أنه سيحافظ عليها كعينيه و يحميها بحياته..
كلاكس طويل أفزعه من ذكرياته، كلاكس طويل مزعج أشبه بأثر الرفض الذي تلقاه وقتها.. رفض تام كامل للفكرة من بدايتها، كيف أنه مازال صغير وهو يريد لابنته رجلا يحافظ لها علي نفس مستوي معيشتها ، كيف أن من حقه أن يطمئن عليها وأن يراها سعيدة، هانئة وغير محتاجة لشئ !
ضغط كلاكس حاد لسيارة أمامه منفعلا كأنما القصة حدثت بالأمس ..
وماذا عن حقي أنا أن أتزوج من أحب ؟ وماذا عن حقها هي أن تختار كيف تكون سعيدة ؟ ماذا عنا ... ماذا عنا .. ؟
ثرت و ثارت ، ثم انتهت الزوبعة إلي لا شئ و أخذها أبوها معه إلي الدولة العربية التي يعمل بها .
انقطعت بينهما الاتصالات رويدا رويدا وبعد سنتين سمع أنها تزوجت ..
اغرورقت عيناه بلمعة الذكريات .. أين أنتِ الآن ؟؟
ها أنا.. ها أنا... أملك الشقة الفاخرة و السيارة الجميلة و الدخل الذي يرضاه أبوكِ ..
و لكن ، ذاهب ...
 ذاهب لألقي عروسة أبوها منتظر من هو مثلي ، عريس لقطة .. يملك شقة و سيارة و دخل مريح بعد سنوات الوحدة و الشقاء..
 ليحيا المجتمع و يسقط الحب ..
زفر في يأس،  انتزع نفسه من ذكرياته وهو يحاول أن يستعيد ابتسامة تعينه علي ما هو مقدم عليه، لم تمض نصف ساعة و كان قد وصل أمام العمارة في موعده تماما.
 
أما فوق، في الشقة، كانت العروس المنتظرة جالسة علي سريرها تفرك يديها بعصبية، من أين أتاني عريس الغبرة هذا !
قامت من مكانها ودقت الأرض بغيظ وهي تفكر " لن أتزوج إلا من اختاره قلبي فقط "
تعلم أنها مقدمة علي فترة عصيبة ، سيضغطون عليها و يضغطون و يحاولوا اقناعها بكافة الطرق والوسائل ، سيهددون ويتوعدون .. يا ربي ماذا أفعل الآن!
أخذت تطوف بالحجرة حتي سمعت جرس الباب فهبط قلبها بين قدميها، دقيقة ووجدت أمها تطلب منها الخروج.
خرجت فوجدته أنيقا، وسيما، يبدو أباها مستبشر و أمها فرحة.
يا ويلي ، ماذا سأقول عنه هذا ؟
" لن أقبل يعني لن أقبل "
جلسوا يتحدثون في مواضيع عامة و هي تنطق الكلمة بالكاد إلي أن استأذن العريس أن يجلس معها قليلا، انزعج أبوها بعض الشئ فهو لم يعتد ذلك لكن شجعته أمها بأن أخذت أباها و جلسوا في الصالون المقابل.
حاول أن يفتح حديثا معها و قد لاحظ امساكها عن الحديث.. كان توترها بلغ أقصي درجاته، فانفجرت فيه بصوت هامس لئلا يسمعها أبوها و أمها...
" اسمع ، أنا أحب شخص آخر، أرجوك .. أنت تبدو انسان محترم و لا غبار عليك و لكن أنا لن أتزوج غيره"
تراجع للوراء قليلا متفاجئا من ردة فعلها، ظل صامتا بعض الوقت دون أن يقول شيئا ...
أما هي فقد امتقع وجهها و لم تدر كيف تفوهت بذلك...
ابتسم لها ابتسامة طمأنينة و قال بخفوت...
" لا بأس"
شرد قليلا و لم يستطع إلا أن ينساب مع تساؤلاته مفكرا...
ليت حبيبتي كانت فعلت مثلك ...
دقائق من الصمت قطعها حضور أباها و أمها ...
كلمات مجاملة اعتيادية ... لسان حاضر معهم ..
و قلب مغرق في الذكريات حتي انصرف ...
في طريق عودته .. اتصل بصديقه الذي أحضر له العروسة و أخبره أنهما لم يتفقا كثيرا ...
 كلام من قبيل .. كله نصيب
كان قد وصل إلي بيته بانتهاء المكالمة ...
دخل شقته الخاوية ..
مطرقا إلي الأرض و كأنما يتجاهل سؤال الجدران الباردة...
ماذا لو كانت حبيبتي فعلت مثلها .. 
هز كتفيه في أسي  و غمغم في خفوت ...
يكفيني أني لم أحرم حبيب آخر من حبيبته ...
يكفيني أني حرمت المجتمع من رغبته السادية في تفريق الأحباء ..







الكاتبه || هـنـد حنفى ||

اترك خلفك كل شئ .. و اسمح لخيالك أن يتنفس .. اغلق عينيك .. تجاهل صخب الحياة .. احلم و ابدع و ابتكر .. و عش "هندي" .. من عالم آخر .. أنا هندية .. هند حنفي