آخر ليلة قبل الفرح







أقفلت باب الحجرة عليها و استلقت علي السرير .. شعور بالتوتر احتل معدتها الصغيرة ..
لم تستطع أن تستقر في مكان واحد ..
قامت من مكانها و أخذت تدور في الحجرة و خيالها سارح في كل ركن فيها ..
احساس غير طبيعي ..
إنها آخر ليلة .. 
آخر ليلة لها علي الاطلاق وحدها ..
و غدا فرحها ..
غدا ستكون معه .. و له 
فكرة غريبة سيطرت عليها .. انها اختارت من بين الستة مليارات نسمة علي الكوكب رجل واحد ستعيش معه ..
و كأنما اكتفت به قصة حب واحدة .. وحيدة .. واقعية 
و أعدمت كل الروايات و القصص و الخيالات الجميلة .. و تمني المستحيل ..
لا فارس أبيض بعد الآن .. 
هو .. فارسها الأبيض الذي سيخرج الآن من اطار الحكاية لينتقل للجزء الذي لم ترويه القصص أبدا .. حين يصحو من نومه .. و حين يغضب و ينزعج .. و يجوع .. و يمرض ..  و حين لا يكون رومانسيا ... و حين يأمر و يحدد و يقرر ..
توقفت لحظة بفزع شكل ملامحها ..
تأملت وجهها في المرآة .. أغمضت عينيها و أخذت نفس عميق ..
ما كل هذه الدراما !!
هذا ليس وقت أعصابها المجنونة و أفكارها الغريبة ..
إنه زوجها الآن و غدا الفرح ..
ينبغي أن تكون في أقصي حالات السعادة ..
لم يتركها شيطان التفكير في حالها .. ماذا لو كنتي اخترتي خطأ .. من أدراكي أنكما بعدما تتزوجا لن يتحول لإنسان آخر .. ربما أنتما علي وفاق الآن لأن بينكما مسافة و "البُعد بيحلّي" .. لكن حينما تكونا وجها لوجه كل يوم ستنشأ مشاكل جديدة بينكما .. قد تكتشفا أنكما مختلفان تماما .. أو قد يصيبكما الملل بعد فترة ..
قطع أفكارها صوت جرس الباب ، أعقبه صوته و زغرودة طويلة من الخادمة ...
"مش وقته خالص صراحة" 
هكذا قالت لنفسها في توتر ..
كانت تشعر بحالة من عدم الاستقرار و الخوف من المستقبل و تخشي أن يشعر بما فيها فيشكك في حبها أو سعادتها بالزواج منه ..
نفس عميق آخر .. لابد أن تتمالك نفسها ..
قضي الامر و الفرح غدا .. هو نصيبها و ليكن ما شاء الله أن يكون ..
خرجت له باستسلام عجيب و كأنها مقبلة علي نهايتها لا بداية حياتها ..
نظرت له بذقنه غير الحليقة استعداد لحلقها في الغد ..  و التعب و الارهاق المتبديان علي ملامحه من اثر تجهيزات الفرح في اليومين الماضيين .. لكنه كان سعيد .. ابتسامته تشي براحة و طمأنينة و سعادة و اقبال ..
جلست بجانبه و أخذ يحكي لها قليلا ثم بهدوء سألها ..
- مالك يا حبيبتي ؟؟
تصنعت ابتسامة زائفة لم تكن ليفوته كذبها و هي تقول ..
- لا عادي تعبانة بس و مرهقة .. إن شاء الله انام كويس و أصحي بكره مروقة ..
أعاد جملته بابتسامة مطمئنة مرددا .. 
- مالك يا حبيبتي :)
لم تستطع ان تخفي اكثر من ذلك فقالت بتردد ...
-ما أنت هتزعل 
- لا مش هازعل 
- والله هتزعل 
تناول يدها بين كفيه و نظر لها مشجعا ، شعرت بدفقة الحنان في لمسته تذيب الحواجز داخلها فاندفعت في الكلام دون تمييز .. حكت له عن كل ما شعرت به و فكرت فيه .. عن خوفها .. عن حيرتها .. عن قلقها من حياتهما معا .. من اختيارها له بكل بساطة ..
قالت كل ما في نفسها باندفاع الأطفال .. ثم شعرت أنها قالت أكثر من اللازم و خافت علي مشاعره فعادت تقول ..
- مش عارفة ... أنا فعلا بحبك .. بس مش عارفة ليه خايفة 
ظل صامتا لحظات ثم قال :
- طيب هسألك حاجة و امشي معايا للآخر .. بس جاوبي بأول حاجة تخطر في بالك
بتردد أومأت برأسها فأكمل ..
- انتِ دلوقتي في اللحظة دي بغض النظر عن المستقبل  حاسة انك بتحبيني ؟
سكتت قليلا ثم قالت ..
- آه و إلا مكنتش قدرت احكيلك كل اللي في نفسي 
- حلو ، طيب لو متجوزتنيش عموما يعني ، كان هيبقي إيه السيناريو الآخر في حياتك ..
- ممم مش عارفة !!
- أقولك أنا .. حاجة من اتنين 
إما إنك كنتي هتتجوزي واحد تاني .. ممكن عن حب و ممكن يكون صالونات .. 
أو ممكن مكونتيش تتجوزي خالص .. صح ؟
- صح ...
- طيب لو كنتي اتجوزتي واحد تاني ، كان هيبقي من غير عيوب ؟
- أكيد لاء !
- طيب .. لو هو عيوبه قليلة أوي في نظرك .. كان هيفضل فيه احتمالات إنكوا تطلعوا مختلفين بعد الجواز و لا كنتي هتبقي متأكدة مية في المية إنكوا متفقين دائما و أبدا ..
سكتت متعجبة ثم قالت:
- لاء أكيد كان هيبقي فيه احتمال إننا نطلع مختلفين 
- و يمكن تتخانقوا برضو ..
- ..... آه 
- طيب السيناريو التاني كان إنك ممكن مع ذلك لو مقابلتنيش و محبتنيش .. متقابليش برضو اي حد تاني تستريحيلوا .. و لا تحبيه .. صح ؟
- صح 
- طيب تفتكري كدا كنتي هتبقي سعيدة بإن مفيش حد يشاركك حياتك و ساعتها يا ستي .. لا فيه خوف من شخص تاني و لا غيره
تاهت في أفكارها لحظات و هو ينظر إليها ثم قالت .. 
- لا مكنتش هبقي سعيدة .. كنت برضو هبقي بدور علي انسان يشاركني حياتي 

- يعني في جميع الأحوال ، سواء اتجوزتيني أو اتجوزتي غيري أو متجوزتيش خالص في احتمالية سعادة و احتمالية نكد و تعاسة ، صح ؟
بدأت تفهم الآن ببطء .. في همس ردت :
- صح ..
بكل الحنو و الدفء في صوته قال لها بصوت هامس و قد رفع وجهها إليه:
-  بصيلي .. كويس :)
أنا حبيبك ..
 انتي تعرفيني كويس .. مش هتتفاجئي بحد جديد بكره ..
و عيوبي انتي عارفاها و عارفاني و خبزاني و حصلتلنا مشاكل من وراها كتير و قدرنا نعديها .. صح ؟

أومأت برأسها في تردد ... فأكمل :
- و مادام كدا كدا كل الاحتمالات التانية فيها فشل و نجاح .. يبقي ثقي فيا و خطي الخطوة دي معايا ..
علي الأقل انتي عارفة إن النجاح هنا طعمه حلو قوي لما نجتمع سوا و احنا بنحب بعض .. و حسيتي أد إيه المشاعر اللي بتجمعنا جميلة و قوية ...
و برضو جربتي الخناق و الزعل و عرفتي تتعاملي معاه .. 
ضحك و هو يكمل ..
- يبقي كدا احتمالات النجاح معايا أعلي من الاحتمالات التانية لأني بحبك و بتحبيني .. 

ابتسمت علي استحياء و قد هدأت مخاوفها كثيرا ، فقام من مكانه و جلس بجانبها .. ثم ضمها لصدره و ربت عليها في حنو بالغ و هو يهمس لها ..
- يا حبيبتي .. كل اختيار هتاخديه هو حياة جديدة .. لكن الفكرة ان الواحد بيحاول يختار أقل احتمالات فشل و أعلي احتمالات نجاح ..
.. و أنا بحبك ..  و بابذل و هابذل أقصي جهدي عشان اسعدك ..

و كأن كل المخاوف التي راودتها اختفت في أمان ضمته و احتواءه .. شعرت كأنها أخيرا آوت إلي وطنها بعد طول غياب ..
لأول مرة تشعر به بهذا القرب .. لأول مرة تغشاها مثل تلك السكينة و الطمأنينة إليه ..
رفعت وجهها إليه و تبسمت ابتسامة جميلة و نظرت له كأنها تنظر إليه من جديد ..
 بامتنان في نفسها لتفهمه .. و احتواءه لخوفها ..
مرت في ذاكرتها .. كل تصرف جميل منه .. و كل كلمة رقيقة ..
شعرت انها الآن بالفعل علي استعداد لحياتها الجديدة ... و علي استعداد لأن تبذل نفسها من أجل إنجاحها و من أجله هو ..
و بتلقائية الطفلة داخلها وجدت نفسها تهمس له ..
- أنا واثقة فيك




الكاتبه || هـنـد حنفى ||

اترك خلفك كل شئ .. و اسمح لخيالك أن يتنفس .. اغلق عينيك .. تجاهل صخب الحياة .. احلم و ابدع و ابتكر .. و عش "هندي" .. من عالم آخر .. أنا هندية .. هند حنفي