الجميلة







الساعة السابعة مساء في صيف أغسطس ...
الشارع ملئ بالغادين و الرائحين .. و هي بمفردها تمشي محتضنة حقيبة يدها ..
سمراء رشيقة القد .. رائعة الجمال ..
وجه هادئ لكن تقطيبة صغيرة في جبينها تكشف عن توترها ..

"إيه يا قمر .. الجميل زعلان ليه .. دا انتي حتي ****"

تزداد التقطيبة مقدارا ... ها قد بدأت المعاناة اليومية ...

تنهيدة عميقة مفتعلة تعقبها ضحكة عريضة مختلطة بجملة " أموت أنا في الأسمراني"

تأخذ نفسا عميقا في محاولة للسيطرة علي أعصابها و هي تتجاهل ما ينهال علي أذنيها من العبارات السافلة ..

أعصابها حقا مرهقة .. أصبح الشارع مغامرة لا تدري عواقبها ..
لا تأمن المشي باطمئنان .. و لا تسلم العودة بأمان ..

خطواتها سريعة و خيالاتها المؤرقة تلاحقها ...
توقف أحدهم أمامها فجأة .. فتراجعت للوراء
ابتسم ساخرا من ردة فعلها الفزعة و ضمة حقيبتها لصدرها ..
ثم قال ... " ما تجيبي حتة "

تجاهلته و حاولت أن تتجاوزه .. فكان لها بالمرصاد مستمتعا بلعبة القط و الفأر التي تشعره بقوته في مواجهة ضعفها ..

تراجعت خطوتان و حاولت أن تعبر الشارع العارم بالبشر دون أن يحرك أحدهم ساكنا نحوها بينما بعض العيون ترقب الموقف ..

قطع عليها الطريق .. و ألقي بعبارة أخري سافلة .. و هو يمد يده إليها كأنما سأم اللعبة ..

تراجعت بفزع ثم بعزم قوتها لطمته في وجهه بحقيبتها ..

"يا بنت ال****"

انطلقت تعدو بكل الرعب الذي استولي عليها .. ظلت تعدو .. و تعدو .. و تعدو ..

التفت إليها بعضهم ضاحكا و بعضهم عابسا .. لكن ايا منهم لم يحرك ساكنا من مكانه كأنما يشاهدون مقطع من فيلم علي التلفاز ..

ظل يجري وراءها بضع دقائق كأنما يستمتع بإثارة فزعها حتي اللحظة الأخيرة ثم تركها تكمل عدو وحدها ..
ظلت تعدو .. و تعدو حتي اقتربت من الشارع الذي تسكن به ..
استندت إلي الحائط و أخذت تلتقط أنفاسها اللاهثة ..
دموع القهر في عينيها جعلتها لا تري أمامها ..
مشت الخطوات الباقية حتي العمارة ببطء .. كأنما تحمل أثقال العالم علي كتفيها ..

صعدت السلم المتهالك بانهيار حتي وصلت إلي باب الشقة ...

التقطت نفس عميق في محاولة للسيطرة علي أعصابها .. و بيد مرتجفة تناولت مفاتيحها و دخلت بلا صوت يذكر ...

ألقت تحية خافتة .. جاوبتها زمجرة من أبوها الذي تأفف من رجوعها المتأخر من عملها ... و بضع كلمات سخيفة عن لزوم الشغل و فاكرة نفسك هتبقي إيه يعني ..

ابتلعت مرارتها و دخلت حجرتها ..
أغلقت الباب .. ظلت ساكنة لم تتحرك خطوة كأنما استهلكت كل طاقة في نفسها ..

دموع تتدفق علي وجهها .. و هي تمضغ ببطء كل القهر و المهانة و المذلة التي تشعر بها ..
لسان أخرس لا يستطيع النطق بما حدث و إلا أخذت نصيبها من السباب حول قلة أدبها .. و لزوم أن تترك عملها الذي تحبه في الحال ..
و يد عاجزة مازالت تمسك بالمفتاح بين اصابعها ..
مرآة طويلة علي الحائط المقابل لها تعكس ألمها بلا هوادة ..

ظل تحدق في نفسها لحظات .. و تمنت لو تمتلك الجرأة الكافية لكي تشوه جمالها هنا و الآن لكي ترتاح للأبد ..





الكاتبه || هـنـد حنفى ||

اترك خلفك كل شئ .. و اسمح لخيالك أن يتنفس .. اغلق عينيك .. تجاهل صخب الحياة .. احلم و ابدع و ابتكر .. و عش "هندي" .. من عالم آخر .. أنا هندية .. هند حنفي