البحث عن ميت "فانتازيا"







مستلقي علي ظهره ... عيناه مغمضتان ..
نسيم عليل يداعب وجهه .. و روائح مسك تُعطره ..
ابتسامة نائمة علي شفتيه ..
يتحرك حركة بسيطة .. يبدأ في الاستيقاظ ..
يفتح عينيه ببطء .. لا يدري أين هو .. مكان واسع فسيح جميل ..
يمتد إلي ما لا نهاية و مع ذلك يوحي في نفسه بإحساس سكينة و طمأنينة ..
يتلفت حوله .. عساه يجد انسان ..
وجد ملاكا جميلا .. ملاكا حقيقيا .. تماما كما الأحلام ..
بجناحين عظيمين .. و طاقة نور فوق رأسه الأبيض الجميل ..
فغر فاهه من الدهشة .. و كان أول ما نطق به ..
" أنا فين ؟؟"
"أنت ميت"
ارتد للوراء بفزع .. ميت !!
لا يمكن ..
حدّق فيه بامعان ..
ركّز قليلا .. عله يستعيد آخر ما مر به قبل هذه النومة الطويلة .. هل هو حلم ..!
فجأة ضرب جبهته بيده في قوة ..
يا إلهي .. الثورة .. موقعة الجمل .. مبارك ..
"يا نهار اسود .. أنا مت "
أجاب الملاك بإيماءة من رأسه ..
"طب حصل إيه في الثورة؟؟ نجحنا و لا لاء ؟؟ اصحابي عايشين و لا ميتين زيي ؟؟ طب مبارك مشي؟؟"
لم يرد عليه الملاك ..
"طب أعرف بس .. هي الثورة نجحت؟"
لم يرد الملاك ..
ظل يدور في الفراغ الهائل حوله و القلق يتآكله..
ثم لمح من بعيد جسد آخر مستلقي ..
أسرع بالجري نحوه ..
تمالك أعصابه بصعوبة و هو يوقظه برفق ..
فتح الثاني عينيه ببطء و بنفس الابتسامة الناعسة ..
و ظل معه حتي أفاق و أخبره أنه هو الآخر ميت .. و أخذ يحايله حتي استوعب الصدمة ثم قبل ان يسأله .. قال الثاني ..
"يا نهار اسود .. مجلس الوزراء .. هو ايه اللي حصل .. المجلس العسكري لسه بيحكم ؟؟ "
تراجع الأول للوراء قائلا .. "مجلس عسكري إيه ؟؟ هو مبارك مشي"
رد الثاني "أيوه طبعا مشي"
قفز الأول في الهواء مهللا .. "هييييه .. يا سلام .. عملناها .. عملناها .. مبارك مشي .. الحمد لله موتي مراحش هدر .. هيييه .. مفيش ظلم تاني .. اخيرا استعدنا بلدنا ..ياه يا رب .. الحمد لله"
حدق فيه الثاني كأنه مجنون أو عبيط ..
فتوقف عن التهليل قليلا .. ثم تساءل ..
"امال مجلس عسكري إيه .. هو انت مت ازاي"
حكي له كل الأحداث التي فاتته ..
فأخذ يتقافز في جنون .. "مش معقول .. مش معقول ..
اكيد الشعب مش هيسكت علي الدم و هتك الأعراض دا .."
"آخر حاجة قبل ماوصل هنا .. أننا كنا نازلين ضد بقاء المجلس العسكري و عايزين السلطة تنتقل لرئيس مدني منتخب .."
ران الصمت عليهما .. و جلس الاثنان علي الأرض البيضاء التي تمتد إلي ما لا نهاية ..
قال الثاني بعد فترة .. "أنا لازم أعرف إيه اللي حصل"
رد الأول قائما من مكانه .. "طب قوم بينا ندور علي حد ميت .. لو ملقناش يبقي الثورة نجحت .. و لو لقينا هنعرف إيه اللي حصل "
قام كلاهما و ظلا يمشيان بلا نهاية ..
حتي وجدا ثالث .. مستلقي علي ظهره و علي شفتيه ابتسامة نائمة ..
ظلا معه حتي أفاق و استوعب صدمة أنه ميت .. ثم تذكر كيف مات .. و صرخ فجأة ..
" يا خبر .. الاعلان الدستوري .. الاتحادية .. الاخوان هاجمونا .. ناس كتير اتضربت .. إيه دا .. أنا مُت !!"
تململ الأول في ملل واضح .. فهذه ثاني مرة .. يحاول فيها اقناع من يقابله أنه ميت ..
قال له الثاني بسرعة .. "الاخوان !!!!!" "هو المجلس العسكري مشي"
رد الثالث .. "مشي من زمان و عملنا انتخابات .. و الاعادة كانت بين مرسي بتاع الاخوان .. و شفيق الفلول .. و عصرنا لمون و انتخبنا مرسي .. قام مرسي أصدر اعلان دستور ديكتاتوري .. رحنا اتظاهرنا عند الاتحادية .. و بعدين جماعته و عشيرته هاجمونا .. و بعدين .. بعدين .. أنا مُت "
قال الأول في فزع .. "هو إيه اللي بيحصل دا كله ... أنا كنت فاكر لما نشيل مبارك .. الحياة هتبقي حلوة .. و الحقوق هترجع لأصحابها .. و هنبني بلدنا .."
رد الثاني مكملا في وجل .. "و أنا كنت فاكر إن هييجي رئيس مدني منتخب من الثورة .. يقود النهضة في البلد و ينهي الحكم العسكري .."
انفعل الثالث قائلا .. "لاء .. لاء .. نهضة تاني لاء .. "
نظر له الاثنان باستغراب و لم يفهما و لم يعلقا ...
ران الصمت علي ثلاثتهم تماما ...
ثم قال الثاني ... "و الآن .. ماذا سنفعل ؟"
قال الثالث .. "يبدو أنه لا أمل"
قال الأول .. "يجب أن نكمل بحث .. إذا وجدنا ميت هنعرف إيه اللي حصل . و إذا لم نجد .. يبقي الثورة نجحت"
قاموا من مكانهم .. و لفترة طويلة طويلة ظلوا يمشون .. حتي وجدوا شخص رابع مستلقي ..
أخذ الاول يقلب أصابعه في ملل بينما الاثنان الآخران يوقظانه و يفهمانه أنه ميت .. ثم صرخ فجأة في غضب ..
"لاء .. لاء .. انا مكنتش عايز اموت قبل 30 -6 "
حدق فيه الثلاثة بدهشة ..
"هو انت مت ازاي أصلا"
 " مرسي عيّن محافظين من المتأسلمين و الاخوان .. نزلنا نتظاهر ضدهم و الدنيا ولعّت و بعدين .. بعدين .. لقيت نفسي هنا"
 سأل الأول باهتمام .. " و إيه اللي هيحصل يوم 30-6 ؟ "
" مرسي خربها علي الآخر و خلا حجم مصر قد السمسمة قصاد العالم .. و كل حاجة ماشية من سئ لأسوأ في البلد .. قمنا عملنا حركة تمرد عشان نسحب الثقة منه و نعمل انتخابات رئاسية مبكرة .. و جمعنا موافقة 15 مليون مصري ..  قام استقوي بأهله و عشيرته علينا .. و هننزل يوم 30-6 نطالب برحيله و انتخابات رئاسية مبكرة ..."
ثم سكت قليلا .. و قال في حزن .. "قصدي  هينزلوا"
همس الأول .. "يعني ثورة من أول و جديد"
رد الثاني .. "تفتكر هتنجح؟"
رد عليه نفس الرد الذي قاله من قبل .. "أدينا هندور .. إن لقينا ميت هيقولنا .. و إن ملقيناش يبقي الثورة نجحت" .






الكاتبه || هـنـد حنفى ||

اترك خلفك كل شئ .. و اسمح لخيالك أن يتنفس .. اغلق عينيك .. تجاهل صخب الحياة .. احلم و ابدع و ابتكر .. و عش "هندي" .. من عالم آخر .. أنا هندية .. هند حنفي