اعتبرني مجنونة !







 

فكرة طافت ببالي .. لماذا نعتبر "المواعدة" بمفهومها الأجنبي مخالفة للاسلام ..

أرجوك اخفض هذا الحاجب المستنكر أولا و دعنا نتحدث بهدوء .. لا بأس أن تظن بي الجنون حتي تصل معي إلي آخر كلامي ..

يبدو أني جذبت انتباهك بما يكفي لتكمل حتي السطر الثالث حتي الآن ههههه .. حسنا من فضلك اترك خارج بابي أفكار المجتمع التي تربينا عنها عن نظرية أن كل فتاة هي ذات الرداء الاحمر البريئة الهبلة التي لا تعلم شيئا عن الحياة و التي سيسرقها الذئب (الذي هو انت عزيزي الرجل) لكي يلتهمها في منزل جدتها العجوزة ..

آه .. و من فضلك ارمي خارج نافذتي بكل قوتك كل أفكارك عن الفتاة التي هي أشبه بقطعة حلوي يجب أن نغطيها من الذباب بأن نغلفها في غلاف بلاستيكي و نضعها في كرة كريستالية رائعة "في البيت" .. فليس أكثر إهانة من اختصار كيان و شخصية و أفكار و أحلام و طموحات فتاة في قطعة حلوي .. فضلا عن إني صدقا لا أدري من أقنعك انه من الجميل أن تشبه نفسك بالذباب ..

حسنا إذن .. دوما كنت أعتقد أن الفاصل الحقيقي بين الخطأ و الصواب يكمن في محاولة تبين ما أراد لنا الله أن نسير عليه .. لأن الله هو الحق و كل ما دونه ظن يحمل في طياته احتمال خطأه أو صوابه ..

اتفقنا .. اسرح بخيالك معي لأقصاه و تخيل المشهد الآتي ..

أحمد زميل مني في العمل .. يتعاملان يوميا لمدة تصل إلي ثمان ساعات .. بينهما انسجام حقيقي في الأفكار و هدوء و انسيابية جميلة تحيط بهما حين يتحدثان .. يبدو ان كلا منهما يخفي بباطنه اعجابا بالآخر ..

أحمد طلب من مني أن يخرجا سويا ليتحدثا قليلا .. مني أخبرت أباها و أمها عن أحمد و أنها ذاهبة لمقابلته في مكان عام ..

أحمد و مني جلسا في مقهي جميل يطل علي النيل عصرا بينما الشمس قد خفتت حدتها و لفتهما بأشعة ذهبية خفيفة .. تحدثا طويلا عن الفن و السياسة و الحب و الزواج و الأطفال و المستقبل الذي يحلم به كل منهما لنفسه .. تحدثا عن الأشياء الصغيرة التي يحبانها .. عن الأكلات التي يفضلانها .. و الهوايات الاحب إلي نفسيهما ..

مني عادت إلي المنزل بوجه مشرق و جلست تحكي مع أباها و أمها عن مقابلتها مع أحمد (أرجع و اقولك تاني كانوا قاعدين في مكان عام .. و هو أمر يحدث يوميا في كل مكان حولك .. ما هو محرم شرعا ان يتقابلا في خلوة يأمنا فيها من اطلاع الغير عليهما)

المهم .. أوم إيه .. أحمد شعر بروحه تتفتح لمني .. و شعرت مني بأنها ربما وجدت شريك حياتها ..

مني و أحمد قررا أنهما يريدان التعرف إلي بعضهما البعض أكثر من ذلك .. أحمد خطب مني .. (في مجتمع مثالي كالذي نتخيله الزواج ليس حمّام لكي يخاف أحمد من أن الدخول إليه ليس كالخروج منه)

أحمد و مني ظلا مخطوبين لفترة كافية حتي وقعا في الحب تماما .. ثم في بيت صغير تزوجا بدون أية تكاليف زائدة لا لزوم لها ..

أحمد و مني عاشا أجمل قصة حب و تزوجا ...

سعيد و سعدية مرا بنفس التجربة لكن بعدما تزوجا اكتشفا أنهما غير مناسبين لبعضهما البعض .. فانفصلا بالطلاق ..

كلا منهما عاش حياة طبيعية بعدها و قابلا اشخاص آخرين .. لأن الطلاق أمر عادي تماما و ليس سُبة علي جبين أيا منهما ( و خاصة سعدية) ..

و هكذا صار الحب أمرا طبيعيا معترف به و ليس سرا خطيرا او قنبلة مفخخة نخفيها في حشايانا .. و صارت الخطبة ثم الزواج طريقا طبيعيا متفقا مع رسمه الله لنا .. و إن فشل الزواج لا قدر الله .. فالطلاق ليس الكارثة البشعة و إنما انفصال طبيعي بدلا من القلوب المحطمة في الخفاء من علاقات الحب التي لا تكتمل ...

خلصت الحدوتة ..

انتظر من فضلك قبل أن تهاجمني أو تصفق لي ..

تذكر انه لن يمكنك ان تمنع الحب حتي و لو أقفلت علي الرجال في مدينة و النساء في مدينة أخري .. لأن حينها سيصبح الأمر الوحيد الذي يفكر فيه كلا منهما هو الطرف الآخر و كيف تبدو المدينة الأخرى من الداخل ..

انظر حولك ... تري قصص الحب في كل مكان .. كل ما في الأمر .. أننا نحب سرا و نتبادل المكاتيب و الرسائل خلسة .. نجعل الفتاة تعيش في ظلمة و عذاب أنها تفعل شيئا دون علم اهلها برغم ايمانها بطهارة حبها .. و نجعل الشاب يتسلل ليسرق من الزمن خلسة تمكنه من لقاء حبيبته .. هذا فضلا عن انه في الظلام تجد الذئاب الحقيقية مرتعا لها لتلعب بقلوب الفتيات اللاتي لو وجدن الامان الكافي لتعترف بالحب أمام أهلها (الحب الذي هو احساس ملائكي مرهف كفيل بأن يحيلك في لحظات إلي مخلوق أشبه بالملائكة منه بالبشر) لما قبلن ابدا بالظلمة طريقا ..

إننا بالفعل نعيش سويا في هذا المجتمع .. الرجل هو الأب و الأخ و "الصديق" .. هو ليس مجرد ذئب يبحث عن اشباع حاجاته .. و الفتاة هي أنثي لها كيان و عقل و شخصية و قلب يهفو إلي الحب .. و ليست قطعة حلوة أو مجرد جسد فتّان ...

رجاء أخير من فضلك .. هلا تقرأ هذا المقال مرة ثانية متجاهلا تماما عادات المجتمع التي هي أشد رسوخا في نفسك من الجبال .. و تنظر بعين البحث عن الحق .. و تذكر قول رسولك الكريم عليه أفضل الصلاة و السلام ..

 " لم ير للمتحابين مثل النكاح" ..

ثم احكم .. هل أنا مجنونة .. أم أنّا نعيش في مجتمع مجنون !




الكاتبه || هـنـد حنفى ||

اترك خلفك كل شئ .. و اسمح لخيالك أن يتنفس .. اغلق عينيك .. تجاهل صخب الحياة .. احلم و ابدع و ابتكر .. و عش "هندي" .. من عالم آخر .. أنا هندية .. هند حنفي