حلم أم حقيقة!






وقفت في الشرفة و سكون الليل يلف المكان و القمر قد اكتمل بدراً و أرسل ضوء فضي خلاب انعكس علي ملامح وجهها الرقيقة القلقة ، و أخذت عيناها الصافيتان تجوبان الشارع ذهاباً و إياباً و خلف صفائهما ترقُب الخائف و قلق المنتظر ....

تنهيدة حارة من أعماقها خرجت من بين شفتيها و حملت معها بعضاً من أسرار ألم الخوف و الوحدة و لهيبهما....

انقبضت أصابعها برفق و كأنها تحتضن كفها المتلهف ... المشتاق إلي لمسة يده و ضغطة أصابعه القوية الرفيقة .

تنهيدة أخري أقوي انتزعت بها نفسها إلي الداخل تاركة مكانها الذي تقف به منذ ساعات ... .

" لن يأتي الليلة "

قالتها في همس خفيض و هي تعلم ذلك علم اليقين ، لكنها لم تستطع أن تمنع نفسها من الانتظار ....

لم تحملها قدماها إلي أبعد من أريكة قريبة من الشرفة ، جلست عليها في وهن و وضعت يدها علي قلبها و أخذت تمسح عليه في حنان و كأنها تحاول أن تٌسكن ألم الشوق الذي يئن بين الضلوع و رفعت قدميها عن الأرض و استلقت متكورة علي الأريكة كطفلة صغيرة تائهة وحدها في عالم كبير .... .

لم تدر كم مر عليها من الوقت و هي علي هذه الحالة ، و لكن خيل إليها أنها سمعت تكة المفتاح .... لم تفتح عيناها و كأنها تتقي ألم خيبة أملها مما يصوره الخيال ... .

هنيهة ... ثم شعرت بأصابع تتخلل خصلات شعرها في رقة و أنفاس حارة قريبة من وجهها ، فتحت عينيها ببطء و نظرت من بين أهدابها متطلعة في فضول أقرب إلي فضول الأطفال ....

أشرقت ابتسامته أمام عينيها ، فارتفع حاجبيها في تأثر و بصوت مبحوح من الانفعال أرادت أن تقول كل كلمات الحب و اللهفة ...

تسارعت الكلمات و تزاحمت الحروف و ذابت .. علي طرف شفتيها فلم يخرج منها سوي تنهيدة حارة حملت كل ما يعتمل بصدرها من مشاعر ...

" أوحشتني "

همس بها في أذنها برقة ...... لمعت بالدمع عيناها حين مس صوته شغاف قلبها و تسلل بين حناياها و كأنه قطرات ندي رقيقة تُهدئ و تُلطِف من لهفة و لهيب الاشتياق .

رفع ذراعها برفق و لفه حول عنقه ، ثم ضمها إليه بحنان و رفعها من علي الأريكة حاملاً إياها علي ذراعيه و هي لازالت غير مصدقة و غير قادرة علي استيعاب ما يحدث ... و آثرت أن تستكين إلي أن ما يحدث هو حلم صاغته لهفتها و أحياه اشتياقها ، و كأنما خافت أن تستعيد تركيزها فتعود إلي واقع لا وجود له فيه .

و لكن علي الرغم من ذلك لم تستطع أن تمنع يدها التي ارتفعت تتحسس وجهه في حنان و تطمئن علي كل ثنية من ثنيات ملامحه و كل تفصيلة صغيرة فيه ....

جاوبها هو بابتسامة شعرت فيها بتجعيدات زوايا فمه تحت أصابعها ، و همس أنفاسه علي باطن كفها و هو يتنفس.... "أحبك " ..

و كأن الكلمة تذوب علي شفتيه كقطعة سكر .. .

ظل واقفاً أمام السرير لحظات و كأنه يضن بها عليه و هو يعلم ألا راحة لها إلا بين ذراعيه ، ثم أنزلها برفق و قبضتها الصغيرة متشبثة به تأبي عليه الابتعاد ... فاستلقي بجانبها و احتضنها بقوة و حنان و استرخت هي تماماً علي صدره ...

سكينته و أمان قربه احتوتها .. حنو ضمته .. عطره و رائحة أنفاسه... تسلل النوم إليها قليلاً قليلاً حتي استولي عليها و غابت عن العالم تماماً.

بعد وقت لا تدري طوله أو قصره .... فتحت عينيها ببطء و أشعة الشمس المتسللة من خلف الستار أشاعت ضوء خفيف في الحجرة ، نظرت بجانبها فلم تجده .....

تذكرت طيفاً مما حدث و لم تستطع أن تحدد أكان حلماً أو حقيقة ... و لم ترد أن تحدد أهو حلم أم حقيقة ... أغلقت عينيها علي صورته .. و صدي صوته يتردد في أذنها ... ضمت نفسها إليها لتحتفظ بدفء مشاعرها حبيسة صدرها فلا تهرب .... .

ذهب الألم و اختفي ... هو ليس بعيداً عنها .. ساكن في كل ذرة من كيانها .. متسلل مع أنفاسها ... متناغم مع خفقات قلبها ... هو ليس بعيداً عنها .. أبداً.
 
 




الكاتبه || هـنـد حنفى ||

اترك خلفك كل شئ .. و اسمح لخيالك أن يتنفس .. اغلق عينيك .. تجاهل صخب الحياة .. احلم و ابدع و ابتكر .. و عش "هندي" .. من عالم آخر .. أنا هندية .. هند حنفي