الصمت







أخذت تذهب و تجئ في الحجرة و يداها مشبّكتان خلف ظهرها و قد ارتسمت تقطيبة حادة علي وجهها دلت علي عميق التفكير...
 بينما جلس هو علي كرسي هزاز في طرف الحجرة يرقبها و في عينيه نظرة تحمل بعض التساؤل و كثير من الغموض و ابتسامة صغيرة علي ركن شفتيه تظهر و تختفي و كأنه يعرف ما يدور برأسها .
لم ينطق بحرف و ظل يرقبها صامتاً و عينيه تتبعانها في ذهابها و إيابها و كأنه يشعر بلذة خفية في مراقبة كل حركة من حركاتها
 إنه يحب الطريقة التي تمس بها الأرض مساً فهي لا تمشي و إنما تبدو و كأنها تطفو كسحابة رقيقة تحركها نسمات الهواء ، يعشق تلك التقطيبة علي وجهها تماماً كالأطفال حين يتظاهرون بالجد ، و هذه الرعشة الخفيفة في طرف اصبعها حين تتوتر ....
" أأنت واثق من حبك ؟؟ "
قالتها فجأة بطريقة حادة و قد التفتت إليه و في عينيها نظرة جادة ، لم يستطع أن يمنع نفسه و انطلقت منه ضحكة عالية رددت أنحاء الحجرة صداها و هو يقول جذلاً :
" مازلتِ كعهدي بك طفلة "
ظهر الغضب في عينيها و أدارت ظهرها له هامة بالانصراف فأمسك يدها بسرعة قبل أن تذهب قائلاً بصوت حنون ...
 " انتظري "
أدارت وجهها إليه فرمقها بنظرة عاشقة، عذبة، نقية، تحمل كل معاني التقديس و الحب...
 نظرة اخترقتها حتي الأعماق و من حنوها طافت بعالم وجهها تمسح التقطيبة و تُسكن السلام في ثنايا ملامحها...
حاولت عبثاً أن تحتفظ و لو بتقطيبة صغيرة تدل علي غضبها و لكن تحولت إلي محاولة بلهاء لمنع ابتسامة من الظهور علي شفتيها خاصة مع الحمرة القانية التي صبغت وجنتيها برقة زادتها سحراً و فتنة....
 شعرت أنها تكاد تذوب من فرط الحرارة التي استشعرتها في كل خلية من خلاياها ، و في محاولة يائسة للحفاظ علي قناع الجد سحبت يدها من يده و أبعدت عينيها عنه محاولة الهروب بالنظر إلي أي شئ في الحجرة سواه ... .
اتسعت ابتسامته و قام من مكانه ثم وقف قبالتها و قال بعد لحظة صمت :
" حبي .. أي كلمة هذه التي تستخدمينها !! حرفان !! أو تحسبين أن ما يموج بين جنبات صدري تعبر عنه حروف أو كلمات
مازلت كعهدي بك طفلة تعتقدين في الكلمات ، و لازلت لا أدري كيف أغرس إيمان الصمت في صدرك ...
أتصدقينني إن أخبرتك أنك الأمان الساكن في صدري... أنك رعشة النبضات في عروقي... 
أنك الهمس الذي يسري مع كل تنهيدة من أعماقي ..
 أنك الحنان الذي يطل من عيني و ضي الابتسامة علي شفتي ....
أتصدقينني إن أخبرتك أنني إن ضمت كفاي قطرات ماء رأيتك تتسللين من بين أصابعي ...
و أنك تتصاعدين مع بخار الشاي الساخن في الصباح و في رائحة النعناع العطرة ... 
أتصدقين أني أحتضنك كل صباح مع ربطة عنقي و أضمك إليّ حين ألبس سترتي ، و حين يغشي نور الشمس بصري أحسبها تلك إشراقة ابتسامتك ... و أظل ... أنخدع كل صباح .
أتصدقين أنك عطرة كرائحة زهر البرتقال في أوائل الشتاء .... 
شهية كفاكهة استدارت مكللة ندي الصباح ... 
أتصدقين أنك ساحرة كليلة صيفية جميلة تعطر نسيمها برائحة الفل و الياسمين ...
رائعة كنور فضي خلاب انبعث من بدر أستدار و اكتمل في سواد السماء المرصعة بالنجوم .....
أتصدقين أني ما استطعت أن أصف لك ذرة من فيضان المشاعر في صدري ، و عميق احساسي بك يا ضياء عيني ...
و أني ...
 أعلن كفري بالصمت إن أنت أحببت الكلمات . "
ساد سكون تام بينهما لا يقطعه إلا حفيف أنفاس خافت مختلط بدقات قلبيهما المرتفعة ، انفرج فمها انفراجة خفيفة ثم أغلقته فقال بحنو دافئ :
" ماذا أردتِ أن تقولي ؟ "
لم تنطق و ظلت تطوف بوجهه للحظات بدت و كأنها سنوات ثم ابتسمت ابتسامة صغيرة خجولة و همست بصوت خفيض :
" الآن آمنت بالصمت " .


 




الكاتبه || هـنـد حنفى ||

اترك خلفك كل شئ .. و اسمح لخيالك أن يتنفس .. اغلق عينيك .. تجاهل صخب الحياة .. احلم و ابدع و ابتكر .. و عش "هندي" .. من عالم آخر .. أنا هندية .. هند حنفي