امرأة قوية







وقفت تتطلع إلي النيل الممتد أمامها في سكون لا يشبه صخب المشاعر الفائرة في صدرها ، سلاسل الذهب التي تلمع علي سطحه انعكست في بريق عينيها و إن لم تخف حدتهما ....
معقودة الحاجبين ، منتصبة القامة ، شبكت يديها خلف ظهرها و قد بدا مظهرها جادا للغاية ....
" سأخبره حين يجئ أنه لابد أن يبتعد عني ، أنا امرأة قوية ... لن يجد عندي ذلك الخضوع الأنثوي الذي يبحث عنه الرجال ... "
 تذكرت عيناه حين تضيق قليلا و هو ينظر إليها و كأنه يبحر في معالم وجهها بلا خريطة و يستمتع بأن يتوه قليلا  قبل أن يجد الطريق....
 يحفظ ثنيات ملامحها و إن كان في كل مرة يبدو عليه شغف من يكتشف عالم جديد .. بكر .. لم يسبق لأحد دخوله ..
هزت كتفيها في استخفاف   " سيعيش تعيسا معي و لا شك "
 نظرة بطيئة ... متأنية .. طويلة .... تطوف بحنان و رقة ... 
تندفع حمرة قانية إلي وجنتيها ... تشعل حنانه لهفة و رقته شوق ... 
لا تريد أن تتحول بعينيها إلي الأرض ... هي ليست ضعيفة ... يزداد لهفة .. و يتدفق حنو آسر من عينيه ...
 لا تحول عينيها ... فيستقر ... من تعب الإبحار .. فيهما ... ليبدأ رحلة جديدة ... ليست كأي شئ في هذا العالم ....
" لست أنا .... ما من رجل استطاع أن يخترق حصوني ... أو يدك أسوار دفاعاتي ... لست أنا ... "
بدأت حدتها تقل ... أرادت أن تبتسم في سخرية ... فخرجت ابتسامتها مرتعشة ... علي الرغم منها ...
 أحكمت قبضتها علي السور ... لتُوقف ارتجافة أصابعها ....
 رحلة ليست كأي شئ في هذا العالم ... بلا بداية ... و لا نهاية ...
 حمرة وجنتيها تصبغ وجهها كله ... دفقات حنانه تطل من عينيها ... 
هدوء نظرته كالعائد إلي وطنه بعد طول غياب .... سكون مشوب باللهفة في عينيها ...
الوطن دائما يحتضن أحبابه ....
قلبها يهوي إلي قدميها ... انقباض في معدتها ... رجفة أصابعها .. و ارتعاشة شفتيها ... اختفت صفحة النيل المنبسط ... و سلاسل الذهب ... تحول النيل بكل دفئه و اتساعه .. إلي .. عينيه
تردد شاب صوتها المبحوح " لست .... أنا "
دائما ما تستسلم في النهاية ... 
أهدابها ترتخي علي عينيها في خفر  ... تنظر إلي أي شئ حولها .. هاربة منه ... من نفسها .. من قلبها الذي يرتجف كعصفور في برد الشتاء ...
 من لهفة يدها إلي الاطمئنان في كفه ... من عينيه ... من عشقها للرحلة التي ليست كأي شئ في العالم ....
" أهذه ... أنا ... !! "
 أطراف أصابع مست كتفها ... سرت قشعريرة في جسدها ... التفتت ... فكانت عيناه ... و ابتسامة ثغره الواسعة ...
لم تهرب هذه المرة ....
لم تنظر إليه في تحدي ...
فقط .. نظرت إليه ...
بخوف من نفسها ... و اطمئنان إليه ...
و دون أن تدري ... وجدت لسانها يتمتم
" ماذا فعلت بي .... "
؟




الكاتبه || هـنـد حنفى ||

اترك خلفك كل شئ .. و اسمح لخيالك أن يتنفس .. اغلق عينيك .. تجاهل صخب الحياة .. احلم و ابدع و ابتكر .. و عش "هندي" .. من عالم آخر .. أنا هندية .. هند حنفي