الشيخ قال ..






استلقت علي الأريكة أمام التليفزيون تاركة شعرها مفرود خلفها علي الوسادة في حرية و هي تتابع بشغف الفيلم الأجنبي الذي تصاعدت أحداثه الرومانسية ..
لم تلبث أن سمعت تكة المفتاح في باب الشقة .. ثم سعال قوي من حنجرة أبوها ...
أسرعت تعتدل في جلستها و أغلقت التلفاز ...
دخل عليها بذقنه الطويلة و مسبحته حول أصابعه ..
ألقي عليها نظرة و هو يقول ..
"ماذا تفعلين .."
هزت كتفيها أن لا شئ ..
تأملها لحظات بعينين ضيقتين ثم قال متوجها إلي حجرته ..
"أنا داخل أنام و لمي شعرك دا بلاش مياعة و قلة أدب .."
نكست رأسها للأرض في غيظ ..
كل شئ ممنوع .. ممنوع .. حتي شعرها لم ينجو من تحكماته ..
دخلت حجرتها بعدما أيقنت ألا سبيل أمامها لتكمل متابعة الفيلم ..
أغلقت الباب وراءها ..
تنفست الصعداء ...
أخيرا بعض الحرية ..
بخطوات متسللة توجهت ناحية أدراجها الصغيرة و أخرجت قلم كحل قصير كانت ابتاعته بمصروفها ...
ترددت قليلا .. ثم فكرت ..
لا بأس .. أنا سأضع قليلا منه في البيت فقط ..
الشيخ قال مادام في البيت مش حرام ...
كان لديها فزع طفولي من كل التابوهات التي خلقها أبوها حولها و أحاطها بنيران جحيم العصاة التي أكثر أهلها من النساء ...
ستة عشر عاما و هي تتجرع كل المحرمات .. و التحكمات حتي صارت تخاف إن تحرك ظلها دون إذن أبوها أن تدخل النار لذلك ...
تجاهلت حديث نفسها و بسعادة مراهقة مرت بقلم الكحل علي عينيها ..
ابتسمت في خجل للحلاوة التي أسبغها عليها ..
تأملت عيناها الواسعتان المكحلتان و الغمازتين الجميلتين علي خدها في سعادة ...
تطلعت لنفسها قليلا ثم أحكمت تضييق التيشيرت حول جسدها و أخذت تخطر قليلا أمام المرآة ضاحكة في حياء أنثوي زادها فتنة ..
ضحكة انقلبت صرخة خافتة حين فجأة انفتح الباب و دخل منه أخوها ..
نظر لها شذرا بذقنه القصيرة ثم اقترب منها محدقا و بنبرة صارمة مخيفة قال لها ...
"إيه دا .. انتي اتجننتي .. إيه اللي انتي عاملاه في نفسك داااا "
واتتها جرعة شجاعة فردت عليه ..
"و انت مالك .. إزاي تدخل أوضتي من غير متخبط .."
"كويس إني عملت كدا يا هانم عشان اشوف المسخرة اللي بتعمليها من ورا أبوكي .."
جفلت في فزع حين قال ذلك .. ثم همهمت في رعب خافت ..
الشيخ قال مادام في البيت مش حرام ....
لم يسمعها و هو ينادي بصوت عالي علي أبوه الذي خرج من حجرته علي صوته ..
و ما إن رأي وجه ابنته المورد الخدين و عيناها المكحّلتين .. حتي اتسعت عيناه و في صرامة اقترب منها و قد جمدت في مكانها من شدة الرعب ..
و بكل عزمه هوي علي وجهها بقلم من يده الغليظة ..
ثم صرخ فيها جاذبا إياها من شعرها ..
"ميت مرة .. قلت حراااااااااااام ... حرااااااااااام و لا إنتي مبتسمعيش ...
عايزة تدخلي النار و تدخليني معاكي يا بنت ال***
قاعدة بتتقصعي قدام المراية و تتمايصي و تعصي كلامي و كلام ربنا ...
أديني دقني لو شفتي الشارع تاني .. مادام بتعملي كدا في البيت .. أنا إيه اللي عرفني بتعملي إيه من ورايا ..."
كانت أنفاسها المتقطعة من شدة البكاء و الألم و المهانة لا ترد حتي قذفها بعيدا بطول يده و خرج متوعدا .. مغلقا الباب عليها بالمفتاح...
و بكل رعب الستة عشر عاما ..
بكل الفزاعات الدينية التي فجرها الموقف ...
انهارت منقطعة الانفاس علي الأرض تئن في ألم و ما تنفك تردد في هيسرتيا ..
الشيخ قال مادام في البيت مش حرام ...




الكاتبه || هـنـد حنفى ||

اترك خلفك كل شئ .. و اسمح لخيالك أن يتنفس .. اغلق عينيك .. تجاهل صخب الحياة .. احلم و ابدع و ابتكر .. و عش "هندي" .. من عالم آخر .. أنا هندية .. هند حنفي