كلام فارغ







طاولة مستديرة في النادي علي طرفاها جلسا .. متباعدين ..
هو يلوك بين أسنانه "خلة" رفيعة .. فيما اتكأ علي كرسيه في جلسة مريحة توحي بمعدة ممتلئة ... بينما أصابعه تتنقل علي أزرار تليفونه المحمول و نصف ابتسامة يجاهد لكي يخفيها تلعب علي شفتيه ..
هي .. كما هي دائما .. و كما ستظل دائما .. صامتة .. ساكنة .. محدقة في الفراغ بملل ..
بطرف عينها لمحت ابتسامته المختفية و باشمئزاز نظرت بعيدا عنه ..
يحسب أنها لا تدري أنه يكلم هذه و تلك و يحدثهم بالساعات علي الانترنت ..
غيرة .. !
لا تحسب أنها غارت عليه أبدا .. إنما ثارت فقط لكرامتها المهدورة ..
اشتكت لأمها التي ردت بجملة قصيرة من نوعية ...
"كل الرجالة كدا"
يا ليتها لم تقل شيئا ..
لم تعد للموضوع مرة أخري و تعايشت كأنه لا يحدث ..
قطع شرودها قفزة صبيانية عنيفة في حضنها من ابنها الذي أنهي لتوه تدريب الكاراتيه الخاص به ..
تلقفته بسعادة .. احتضنته طويلا .. كأنما تترجي طفولته أن تذهب عنها نيران الغيظ التي تتآكلها ..
انشغلت به تماما عن ذلك الذي لم ينتبه حتي لمقدم ابنه سوي بنظرة ألقاها عليهما كأنه يتأفف من الضوضاء ..
بلهجة باردة وجههتها له قائلة ..
"أنا هروح عند ماما شوية النهارده"
لم يكلف نفسه عناء الرد عليها و اكتفي بهزة رأس موافقة ..
تناولت حقيبة ابنها من علي الكرسي و انطلقت معه ...
كلما ازدادات ردودها برودا كلما اشتعلت براكينها أكثر ..
لم تعد تطيق معه الحياة ..
لم تعد تحتمل رأئحة فمه المعبقة بالسجائر و هو يقترب منها ..
و لا خلته المقززة التي لا تفارقه ..
كل تفاصيله الصغيرة تزعجها ..
كذبه الذي يصدقه هو وحده .. و يصدق معه كم هي ساذجة ..
فترات الصمت الطويلة ..
و الوحدة التي سكنتها ..
ليس من حل سوي الانفصال ..
بلعت ريقها و هي تنظر إلي ابنها الوحيد و قرة عينها ..
لتقول اللفظ الصحيح إذن .. "الطلاق" .. هو حلها الوحيد ..
هم ثقيل جثم علي أنفاسها ..
"مطلقة" .. تلك الكلمة الغولة التي يخيفونني بها دائما .. و يقربون مشعل نيرانها من وجهي ليطردوا الفكرة من رأسي ..
نفس عميق في عزم .. ثم رددت .. سأفعلها اليوم ..
كانت وصلت بيت أهلها منذ وقت ..
نزلت و في يدها ملاكها الوحيد ..
استقبلتها أمها بالأحاديث المعتادة .. و الحكاوي الكثيرة التي انتظرت أن تنهيها كلها ثم ببطء ألقت قنبلتها ..
"أنا عايزة أطلق ..."
كمن تنظر إلي مجنونة بارتياع حدقت فيها أمها غير مصدقة .. و بنبرة عالية حازمة ..
"إيه الكلام الفارغ دا .. مسمعوش تاني أبدا .. مفيش حاجة اسمها تطلقي .. انت اتجننتي .. الناس تقول علينا إيه .."
بحزن صمتت .. لا فائدة ..
لابد و أن تحترم ما سيقوله الناس .. عليها أن تسمع كلامهم و تخضع لرقابة ألسنتهم ..
بدون كلمة ..
أخذت ابنها و ذهبت ..
دخلت شقتها بمفتاحها الخاص ..
بالطبع لم يعد حتي الآن ..
فتحت التليفزيون فوجدت البطل التركي يصرخ في ابنته قائلا ..
" انتي جنّتي .. كيف بتعملي هيك .. انت مرة مطلقة"
بسخرية مريرة ذات لهجة شامية .. علقت ..
" مش أحسن ماكون مرة ميتة"




الكاتبه || هـنـد حنفى ||

اترك خلفك كل شئ .. و اسمح لخيالك أن يتنفس .. اغلق عينيك .. تجاهل صخب الحياة .. احلم و ابدع و ابتكر .. و عش "هندي" .. من عالم آخر .. أنا هندية .. هند حنفي