كلام !






نظرت بأسي ممتعض إلي حذاءها الجديد الذي كلله الطين من كل جانب ..
أصابعها المثلجة اختبأت في جيبها من سيول المطر المنهمر فوق رأسها و هي تسارع للاختباء بواجهة أحد المحلات ..
 نظرت إلي طرف السحابة المارة و ابتهلت أن تمضي سريعا حتي تستطيع العودة لدفء المنزل ..
تحب المطر و تعشق رائحة التراب المبلول الذي يخلفه وراءه .. و لكن .. من الحب ما قتل من كثرة اغداقه ... أو بالأحري اغراقه ...
بهدوء و كبرياء ملكة .. مرت تلك السحابة الممتلئة تاركة وراءها رذاذا خفيفا ما لبث أن توقف ..
بخطوات واسعة حاولت أن تتحايل علي البحيرات العائمة في كل جانب .. و هي تتلقي في وجهها صفعات الهواء الثلجي ... و تتمتم ..
- ليلة تلج ..
وقفت تحت عمود نور في آخر الرصيف .. مستأنسة بضوئه و الناموس الذي شاركها إياه ..
أشارت لمليون تاكسي ...
هكذا بدا لها الرقم من كثرة ما رفضوا أن يقلوها معهم ..
زفرت في حنق و هي تغمغم ..
- يا ولاد ال**** مفيش في قلوبكم رحمة في السقعة دي ...
ظلت نحو نصف ساعة واقفة حتي أخيرا رحم أحد التاكسيات حالها و و افق أن يقلها إلي حيث تريد ..
اختبأت في ركن السيارة من الهواء البارد الذي ينبعث من شباك السائق و خبأت كفيها تحت رجليها علها تحصل علي بعض الدفء ...
ثم لمحت ...
طفل أسمر شارد النظرات ..
أقحم أنفه في زجاج محل الوجبات السريعة .. بالتحديد في منطقة لعب الأطفال الموجودة في آخره ...
توقف التاكسي في الاشارة و كأنما أراد القدر أن تطيل النظر قليلا ..
لمعت عيناها في تأثر واضح .. تري لو أرادت أن تأخذه من يده و تدخله ليلعب معهم .. هل سيرضي الأهالي عن موقفها أم سيشتكون لادارة المحل .. سيظنون به النصب و الشحاتة .. أم سيخافون علي أطفالهم من قذارته التي لا ذنب له فيها ..
راودتها انسانيتها هامسة أن تنزل من التاكسي الآن و تذهب لتشتري له وجبة من المحل يتدفأ بها في هذا البرد القارص ...
ظلت عيناها معلقتان بوجهه البرئ الذي تجرد من كل قسوة الشارع و همجيته .. و عيناه المعلقتان بالأطفال الآخرين القافزين فوق الكرات الملونة في دفء الداخل ..
 نسي حتي برد الخارج .. نسي كل شئ في تطلعه الحزين المكبوت ..
نغزها ضميرها مجددا ..
هيا انزلي .. بسرعة .. قبل أن يتحرك التاكسي من الاشارة ..
افعلي شيئا ..
امنحيه علي الأقل وجبة دافئة في هذه الليلة الناهشة البرودة ..
نظرت له بتردد ..
ثم تحرك التاكسي مسرعا نحو وجهتها ..
احنت رأسها في خزي ..
ليتها فعلت شيئا ..
ليتها نزلت و محت شقاءه و لو لليلة واحدة ..
ليتها فعلت شيئا ..
نزلت بخطي حزينة .. تجاوزت بحيرات شارعها ..
صعدت إلي بيتها ..
غيرت ملابسها المبلولة بأخري ناعمة ، دافئة ..
فتحت الفايسبوك .. ثم كتبت ..
" و أحلام الأطفال قطعة حلوي و هذا طفل يبيع أحلامه ... نجيب محفوظ "
تصفحت بعض الصور قليلا ، ردت علي بعض الكومنتات ..
ثم أغلقت حسابها و توجهت للنوم بخزي مذنب ..
هذا كل ما يحصلون عليه منا ..
كلام .




الكاتبه || هـنـد حنفى ||

اترك خلفك كل شئ .. و اسمح لخيالك أن يتنفس .. اغلق عينيك .. تجاهل صخب الحياة .. احلم و ابدع و ابتكر .. و عش "هندي" .. من عالم آخر .. أنا هندية .. هند حنفي