لحية بيضاء ناصعة






هادئا ... خلي البال .. مشي واضعا يديه في جيبه ..
شعر باهتزاز هاتفه المحمول، ألقي نظرة عليه فوجده صديقه الذي ينتظر قدومه ...
كان أمامه شارع واحد و يصل إلي مكان تلك الندوة الدينية الذي دعاه إليها ..
آثر الا يرد عليه ... يكفيه أن استجاب لدعوته و أتي و هو الذي كان راغبا بيوم كسول يستلقي فيه دون حراك ...
عشر دقائق و كان قد وصل عنده ، فلاقاه صديقه بإقبال مرحب ..
لم يكلف نفسه اخراج يديه من جيبه ...
لا يدري ... لديه اليوم مزاج تأملي كسول بامتياز ..
رد علي تحيته بابتسامة ثم استمع له و هو يخبره أنه سيغيب عشر دقائق فقط ليحضر شيئا ثم سيعود ليدخلا سويا ...
أومأ له برأسه أنه سينتظره ها هنا ...
استند إلي سيارة مركونة بجانب الرصيف و أخذ يراقب تلك القطة البنية الصغيرة و هي تموء ...
جائعة ربما ...
بحذر القطط اقتربت من عامل نظافة جالس علي الرصيف المقابل يقضم من سندويتش في يده ..
نظرت إليه نظرة استعطاف ...
فابتسم لها ...
قاطع مقدم صديقه تأمله لذلك المشهد ...
و لكن لمح بطرف عينه قبل أن يدخل المبني ، ذلك العامل يقتطع جزءا من طعامه و يعطيه للقطة الصغيرة و هو يدعك فروها بلطف ...
انفرجت شفتاه عن ابتسامة تحية للموقف الانساني الذي عده نادرة من نوادر الزمن ...
دخل إلي القاعة التي بها الندوة ..
جلس في صف أخير مستمعا للشيخ الوقور ذا اللحية البيضاء الناصعة ..
متحدثا عن الرحمة و التراحم .. و رقي أن يكون تبسمك لأخيك صدقة ...
كان يستمع بنصف أذن ...
و هو يفكر ساخرا ..
لعله أصبح مصابا بمرض لحيو فوبيا ..
فوبيا تصيب من يعتقد أن عميقي الايمان حقا لا يحتاجون إلي اللحي البيضاء الناصعة .. تكفيهم قلوبهم البيضاء النقية ..
انتهي الشيخ من محاضرته ... ثم خرج من القاعة بعد السلام علي محبيه واحدا واحد ..
بإجابات دبلوماسية قصيرة كان يرد علي صديقه الذي تواترت أسئلته عن رأيه في الشيخ الجليل و هما يخرجان من المبني ...
طرق مسامعه لفظ عنيف ... قاس
فنظر متجهما .. وجد اللحية البيضاء الناصعة فوقها فم يقطر سما علي العامل الذي رآه منذ قليل ...
مؤنبا إياه علي عربة النظافة المتسخة التي ارتكنت علي سيارته خادشة سطحها ...
أطرق للأرض في أسي متذكرا قول د/ مصطفي محمود "اذا اردت ان تفهم انسانا فانظر فعله في لحظة اختيار حر وحينئذ سوف تفاجأ تماما فقد تري القديس يزني وقد تري العاهره تصلي,وقد تري الطبيب يشرب السم,وقد تفاجأ بصديقك يطعنك وبعدوك ينقذك وقد تري الخادم سيدا في افعاله والسيد احقر من احقر خادم في اعماله وقد تري ملوكا يرتشون وصعاليك يتصدقون".
غمغم في حزن ...
 الله يرحمك يا دكتور مصطفي




الكاتبه || هـنـد حنفى ||

اترك خلفك كل شئ .. و اسمح لخيالك أن يتنفس .. اغلق عينيك .. تجاهل صخب الحياة .. احلم و ابدع و ابتكر .. و عش "هندي" .. من عالم آخر .. أنا هندية .. هند حنفي